[الشهوة]
  قَرع من قرع الضيعة، وما به آنية إلا آنية لا أرضاها لأمير المؤمنين #، فقال #: عَلَيَّ به، فإنَّ أكُفَّنا أنظف الآنية، فجاء به فأكل حتى قضى حاجته، ثم قام إلى الربيع فغسل يديه، ومضمض فاه، ومسح بيده على لحيته وصدره وبطنه، ثم قال: تَعِسَ مَنْ أدْخلَه بطنُه النَّارَ، ثم قال: عَلَيَّ بالمعول، فجيء به، فنزل فجعل يضرب فلم يصنع شيئاً، ثم طلع وجبينُه يقطر عرقاً، ثم نزل فجعل يضرب، وهو يهمهم، فاندهقتْ عليه كأنها عنق جَزور، فطلع # حامداً لله تعالى، وقال: عَلَيَّ بدواةٍ وقرطاسٍ، فوَقَفَها على فقراء مكة والمدينة، وأطْلَقَ لأبوينا الحسن والحسين @ أيديهما فيها، ولنا من بعدهما دون سائر أولاده وأولادهم صِلةً لرسول الله ÷ في قصة طويلة تعلقت بها أحكامٌ كثيرة.
  وكذلك روينا عن سلمان |، عن رسول الله ÷ أنه قال: «مَنِ اسْتَلْقَى عَلَى الْمَأْثُورِ، وَلَبِسَ الْمَشْهُورَ، وَرَكِبَ الْمَنْظُورَ، لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» ونحن نحمل هذا على الْمُحَرَّم والْمُلْتَبِس؛ إذ لا يصح غير ذلك، فيا لها من شهوةٍ ما أوخم عاقبتها، وأمَرَّ تبعتها، وأعظم نغصتها، وأسرع نكالها، وأدهى وبالها.
  وأمَّا ما يتعلق بالفرج من الشهوات فالأمْرُ فيه أظهرُ، وركوبُه أدهى وأكبَرُ، وقد قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ٣٢}[الإسراء] وقد تقدَّمَ تفسيرُ هذه الآية، وكفاك ظاهرُها في الزجر عنها، والفرار منها، وتعلقت به هذه الأمور الهائلة، وهي الفحش الذي هو القُبْح المتناهي {وَسَاءَ سَبِيلًا ٣٢} بمعنى كَرُهَ وقَبُحَ، وإنما كان كذلك لأنَّ فيه غَضَب الرب، وهو أعظم مصيبة أُصيب بها العباد، ولا يقوم لغضبه تعالى الحيوان ولا الجماد، وقد تجلّى سبحانه للجبل غاضباً، بمعنى أظهر له آيةً من آياته، فجعله دكّاً، ولا أطول ولا أقوى منه، فكيف بابن آدم الضعيف المسكين، ومنها اختلاط النسل، ومنها أنَّ فاعله يُستصغَرُ عند أهل الدنيا والآخرة، ويَستَخِفُّ به الجميع، ويُعَدُّ خائناً عند الكفار والمسلمين، ويخرج عن دائرة النَّصَفَة؛ لأنَّه رَضِيَ للنَّاس ما لم يَرْضَ لنفسه.
  وقد روينا عن علي # أنه قال: قال رسول الله ÷: «فِي الزِّنا سِتُّ خِصَالٍ: ثَلَاثٌ في الدُّنْيَا وَثَلَاثٌ في الْآخِرَةِ، فأمَّا التِّي فِي الدُّنْيَا فإنَّه يُذهِبُ الْبَهاءَ، وَيُعَجِّلُ الْفَناءَ، ويَقْطَعُ الرِّزْقَ، وأمَّا التِّي في الْآخِرَةِ فَسُوءُ الْحِسَابِ، وَسَخَطُ الرَّحْمَنِ، والْخلُودُ في النَّارِ».