[الغضب]
[الغضب]
  وأمَّا الغضبُ فقد قدمنا فيه الكلامَ، وهو شَرَهٌ في النَّفْسِ، وَحرارَةٌ في القلب، وهو جمرةٌ تتوقَّد في جوف ابن آدم، فإذا توقدتْ أضرمها الشيطان، وألقى عليها حطب الجهل، وأمدَّها بجمر العصبية، فأحرقت الحسنات عن كثب، وتناهت في الأجيج واللهب، فكم من قصْرٍ هَدَم، وإلٍّ(١) صَرَم، وأنف صَلَمَ، ورأسٍ صدم، فنعوذ بالله من شرِّه، وقَلَّ ما يطفئ ناره من المياه إلا ماءُ ذِكْرِ الله تعالى، وثلجُ بردِ معرفته؛ لأنَّ بذكر الله تطمئن القلوب، وبمعرفته تندفع الكروب.
  وهو كما ذكرنا على وجهين: مذموم ومحمود، فما كان لغير الله تعالى فهو مذموم؛ كالغضب في أمور الدنيا ومضارها ومنافعها وحقوق النفس، وفي ذلك ما روينا عن النبي ÷ أنه قال: «مَنْ رَدَّ غَضَبَهُ دَفَعَ الله عَنْهُ عَذَابَه، وَمَنْ حَفِظَ لِسَانَهُ سَتَرَ اللهُ عُيُوبَهُ، وَمَنِ اعْتَذَرَ إِلَى اللهِ قَبِلَ اللهُ عُذْرَهُ».
  فأمَّا الغضب لله تعالى وفيه؛ فذلك من كِبارِ الحسنات، ومُوجِب العالي من الدرجات، وقد روينا عن علي # قال: قال رسول الله ÷: «قَالَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ # للهِ تَعَالَى: يَا رَبِّ؛ مَنْ أَهْلُكَ الَّذِينَ تُظِلُّهُمْ في ظِلِّ عَرْشِكَ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلَّكَ؟ قَالَ: فَأَوْحَى اللهُ ø إِلَيْهِ: الطَّاهِرَةُ قُلُوبُهُمْ، الْبَرِيئَةُ أيْدِيهِمْ، الَّذِينَ يَكْتَفُونَ بِطَاعَتِي كَمَا يَكْتَفِي الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ بِاللَّبَنِ، الَّذِينَ يَأْوُونَ إلَى مَسَاجِدِي كَمَا تَأْوِي الطُّيُورُ إلَى أَوْكَارِهَا، الَّذِينَ يَغْضَبُونَ لِمَحَارِمِي إذَا اسْتُحِلَّتْ كَالنَّمِرِ إذَا طُرِدَ» فقد رأيت كيف أتى هذا الخبرُ الشريفُ على جميع ما تقدم.
  أمَّا طهارة القلوب فمِنْ فاسد الاعتقادات، ودنس الشبهات، وأمَّا براءة الأيدي فمِن رِجْسِ الفاحشات، ومَسِّ المحظورات، وخَصَّ الأيدي بذلك لأنها المؤدِّية إلى الفروج والبطون، وأمَّا الأُوِيُّ(٢) إلى المساجد: فهو للقيام بواجبات الصلوات، المغارب والعَتَمات، وأمَّا الغضب لله: فقد
(١) الْإِلُّ بِالْكَسْرِ: هُوَ هُنا بِمَعْنَى الْعَهْد أو النَّسَب وَالْقَرَابَة. وَلَهُ مَعانٍ أُخَرَى. (انظر النهاية ١/ ٦١).
(٢) هي المصدر من أوى، يأوي أُويًّا. قال في القاموس المحيط: أوَيْتُ مَنْزِلِي، وإليه أُوِيًّا، بالضم ويُكْسَرُ.