[الغضب]
  جعل في مقابلته ظِلَّ العرش المجيد في المقام الشديد، وشبَّهَ غضبَ الغاضبين لله تعالى بغضَبِ النمر، وقد علمتَ أنَّ النمر أقوى السباعِ غضباً، وأقَلُّها احتمالاً للغيظ، ومن ذلك قولهم: تَنَمَّرَ فلانٌ، إذا اشتد غضبه، وقولهم: فلانٌ لابسٌ جلد النمر.
  قوله #: فَإِذَا لَاحَتْ لَكُمْ شُبْهَةٌ فَاجْلُوهَا بِالْيَقِينِ، وَإِذَا عَرَضَتْ لَكُمْ شَهْوَةٌ فَاقْمَعُوهَا بِالزُّهْدِ، وَإِذَا عَنَّتْ لَكُمْ غَضْبَةٌ فَادْرَؤُوهَا بِالْعَفْوِ.
  لا يُقالُ لاح إلَّا للشيءِ إذا كان يبدو في الحين بعد الحين، كما يلوح البرقُ والشيء الصقيل، وكذلك حالُ الشبهة؛ لأنها لا تستقر في أذهان أهل النظر والتحصيل، وقد قدمنا الكلام في تسميتها شبهة، وأنَّ ذلك لاشتباهها بالحقِّ. والجلاءُ: هو كشف الصدى عن الشيء الصقيل، فشبَّهَ # الشُّبْهة بالطبع يكون في السيف وشِبْهِهِ، فلا يجلوه إلا اليقين كما تجلو المداوسُ السيفَ. واليقينُ: هو العِلْمُ المحض الذي يَقْرُب من الضروري، فيبعد عن الشك والشبهة. والعارضُ: هو الطارئ الذي لا استقامة له، وقد يضرُّ وينفع، والشهوة قد تقدم معناها. والقمعُ: هو ضرب رأس الشيء حتى ينْقَمِع، بمعنى ينكتم وينغمر، كما يفعل القنفذ، ومنه سُمِّيت الْمِقْمَعَةُ مِقْمَعَةً؛ لأنها تقمع ما واجهت، بمعنى أنها تصدمه فينجحر، قال سويد بن أبي كاهل(١):
  رُبَّ مَنْ أنْضَجْتُ غَيْظاً قَلْبَهُ ... قَدْ تَمَنَّى لِيَ مَوْتاً لَمْ يُطَعْ
  مُزْبِداً(٢) يَخْطِرُ(٣) مَا لَمْ يَرَنِي ... فَإذَا أسْمَعْتُهُ صَوْتِي انْقَمَعْ
(١) سويد بن أبي كاهل (غطيف) ابن حارثة بن حسل، الذبيانيّ الكناني اليشكري، (ت نحو ٦٠ هـ) أبو سعد: شاعر، من مخضرمي الجاهلية والإسلام. أشهر شعره عينية كانت تسمى في الجاهلية (اليتيمة) وهي من أطول القصائد، ذكرها في المفضليات وذكر أن مطلعها:
أَرَّقَ العَيْنَ خَيَالٌ لَمْ يَدَعْ ... مِنْ سُلَيْمَى فَفُؤَادِي مُنْتَزَعْ
والبيتين من هذه القصيدة، وبعدهما:
وَيُحَيِّينِي إِذَا لَاقَيْتُهُ ... وَإِذَا يَخْلُو لَهُ لَحْمِي رَتَعْ
(انظر أخبار سويد في كتاب الأغاني: ١٣/ ١١٤).
(٢) تَزَبَّدَ الْإِنْسَانُ إِذا غَضِبَ وَظهرَ على صِماغَيْهِ زَبْدَتان. (لسان العرب ٣/ ١٩٢).
(٣) خَطَرَ الرَّجُلُ في مَشْيِهِ خَطَرَانًا إذا اهْتَزَّ وتَبَخْتَرَ، تمت ضياء، هامش (أ).