حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الغضب]

صفحة 195 - الجزء 1

  معناه انغمر وخضع، فكأن قمع الشهوة قرعها بالوعظ وغمرها بالزهد، والزهدُ: هو استصغار الدنيا واحتقارها، وتركُ أكثر حلالها خوفاً من وبالها.

  ومعنى عَنَّتْ: اعترضتْ، واعتراضُها أنْ تحول بينك وبين قصدك، ومنه سُمِّي العِنان عِناناً لأنَّه يعرض للفرس دون مراده، ويحول بينه وبين غرضه. والغَضْبَةُ: فَعْلَةٌ من الغضب. والعفو: ترك المناقشة والمعاقبة على الفعل السابق، أُخذ من المكان الذي لم يُتَتبَّعْ بالرَّعْي والاختلاء حتى يَقِرَّ فيه الخلى، ويَفِرَ⁣(⁣١) الكلأ، يقال: عفا يعفو، ويقال: فلان يرعى العفو، إذا كان منيعاً يصل حيث لا يصل الناس، فإذا لم يناقِشْ على الخطيئة، ولا يعاقِبُ في الجنيَّةِ؛ قيل: عفا، وأصله ما قدمنا.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنَّه ÷ عرَّفَنا ما يَدْفع عنَّا ضرر هذه الخلال الثلاث، التي هي أصل النكال، وَسِنْخُ الوبال، فالواجب علينا التفهم والقبول؛ لأنَّه ÷ طَبيبُ أدواء الدين، ومُعَلِّم خصال الخير، والناصح العارف، والبصير الكاشف، فأمَرَنا عند لِياح الشبهة بالفزع إلى اليقين؛ لأنَّ به جلاءها، وذلك لا يقع إلا بالنظر في الأدلّة والبراهين، وسَبْرِها في قالب الحقائق، والاستعانة بأهل الصلاح والمعرفة في إيضاحها وإفصاحها بالعبارات المستعذبة، والأنوار الملتهبة، وفي ذلك ما روينا عن رسول الله ÷ أنه قال: «فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ» وإنما كان أشدَّ على الشيطان من ألف عابد لأنه يكشف للمسترشدين عن وجوه الأدلَّة، ويُبَيِّن لهم السبب والعِلَّةَ، والعابد ربما فتنه الشيطان في عبادته فتنةً تؤدي إلى هلاكه وارتباكه، فلا يطمع طامعٌ في فكاكه، نحو تأويلنا هذا عن أمير المؤمنين # وهو أنَّه قال في تأويل هذا الخبر: لأنَّ العالم يستنقذ عبادَ الله من حَيْرة الجهل بعلمه، والعابد يوشك أنْ تَرِدَ عليه شبهةٌ؛ فإذا هو في بحارٍ من الهلكة.

  وأمَرَنا أن نقمع الشهوة بالزهد؛ لأنَّ غير الزهد لا يقوم مقامَه في قمعها ودفعها، وأصلُ الزهد التفكر في الآخرة والمعاد والحشر والحساب، وتصَوُّر الموت والأحوالِ بعد الموت من تغير البنية،


(١) الخَلَى: الْحَشِيشُ الرَّطِبُ، فإذا يَبِسَ فَهو حَشِيشٌ، ا. هـ قاموس.

وَفَرَ الشَّيْءُ: كَثُرَ واتَّسَعَ، يَفِرُ وَفْراً ووُفُورًا، مِنْ بَابِ وَعَدَ يَعِدُ. (انظر لسان العرب ٥/ ٢٨٧).