[الغضب]
  وفساد الآلة، وتنكر الجوارح الحسنة عن عاداتها المعتادة حتى يصير المسكونُ إليه منفوراً عنه، والمحبوبُ مكروهاً، وأفضل كرامة له مواراة جيفته، وردم التراب عليه، وقد روينا عن علي بن الحسين @ في مثل ذلك أنَّ جارية قالت له: ما أحسن عينيك ..! قال: هما أسرع شيء إلى البلى مِنِّي، فلو رأيتهما بعد ثلاثٍ وقد سالتا على خدي ... في حديث طويل، وإشعار القلب خوف الله تعالى، فعند ذلك يكون العبد على وَجَلٍ شديد، فيقوم بالفرائض، ويكفُّ عن المحارم لتوقُّعه هجومَ الموعود، وحلولَ الملحود، وقد نفدت اللذات، وبقِيَت التَّبِعات، وذهبت الشهوات، فرحم الله امرأً نظر الدنيا بعين الاحتقار، وبسط إليها كف الاضطرار، وأخذ منها أخْذ العليل النبيه من الدواء الكريه، ولم يبسُط إلى مُحرّماتها يداً، ولا يملأ من حطامها فماً، وجعل لنفسه على نفسه رقيباً، ومنها عليها حسيباً.
  وأمَرَنا أن ندْرأ بمعنى ندفع عانَّ الغضبة - وهو عارضُها كما قدمنا - بالعفو ما لم يكن الغضبُ في حقِّ الله تعالى؛ لأنَّ ذلك أولى بالمتقين، وهو المعروف من شِيَم المرسلين عليهم سلام رب العالمين، وحُسْنُ العفو متقررٌ في العقول لا ينكره منكر، ولا يدفعه دافع، ولذلك اشترك في المعرفة بحُسْنه من النفس واستحسانه من الغير المسلمون والكفار، واختصت العرب من ذلك بما مُلِئَتْ به الدفاتر، وشُحنت به الأوراق في الجاهلية والإسلام، في الحديث: أنَّ وفد هوازن وصلوا إلى رسول الله ÷ بالجِعْرانَة، فقالوا: يا رسول الله؛ لو أخَذَنا أحدُ هذين الْمَلِكَين - يعنون النعمان بن المنذر، والحارث الجفني - لرجونا منه العفو، وإنَّ أكثر من في الحضائر خالاتك، فاستطاب رسول الله ÷ نفوس المسلمين عن النساء والذرية، وقيل أنَّه ضَمِنَ ÷ لمن شَحَّتْ نفسُه بمن كان معه بسِتِّ فرائض من أول ما يفيء الله عليه وردها عليهم ... في حديث طويل.
  وروينا في حديث سبايا طيء أنَّ أمير المؤمنين # قال: وقَعَتْ في نفسي مِنهُنَّ جاريةٌ حمَّاءُ، حَوّاءُ، لَعْسَاءُ، لَمياء، عيطاء، شماء الأنف، معتدلة القامة، درماء الكعبين، خَدَلَّجَة الساقين، لفَّاء الفخذين، خميصة الخصرين، ضامرة الكشحين(١) قال: فلمَّا رأيتُها أُعْجِبْتُ بها، وقلتُ
(١) قوله: حَمَّاء: أي سَمْراء، وحوة ومنه قيل لامرأة آدم حوّاء، واللَّعْسَاء واللَّمْياء سَوَادٌ يُسْتَحْسَنُ فِي الشَّفَهِ، واللَّعسُ هي الحوّة، وكرر ذلك لاختلاف اللفظين، والدرماء هي التي قد خفي العظم في ساقيها لحماً وسمناً، =