[الغضب]
  لأطلُبنَّ إلى رسول الله ÷ أنْ يجعلها في فيئي، فلمَّا تكلَّمَتْ نسيتُ جمالها لِمَا رأيتُ من فصاحتها، فقالت: يا محمَّد؛ إنْ رأيتَ أنْ تُخلِّي عَنِّي ولا تُشْمت بي العرب، فإني ابنةُ سُرَّة قومي، كان أبي يَفُكُّ العاني، ويُقْرِي الضيف، ويُشبع الجائع، ويُفَرِّج عن المكروب، ويُطعم الطعام، ويُفشي السلام، وما رَدَّ طالبَ حاجةٍ قط عنها، أنا بنتُ حاتم الطائي، فقال النبي ÷: «هَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ، لَوْ كَانَ أَبُوكِ إسْلَامِيّاً تَرَحَّمْنَا عَلَيْهِ، فَخَلُّوا عَنْهَا فَإنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأخْلَاقِ، وَاللهُ تَعَالَى يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» فقام أبو بُردة فقال: يا رسول الله، الله يحب مكارم الأخلاق؟ فقال: «نَعَمْ يَا أَبَا بُرْدَةَ، لَا يَدْخُلَنَّ الْجنَّةَ أَحَدٌ إِلَّا بِحُسْنِ الْخُلُقِ» والعفو كما علم الكافة من أشرف مكارم الأخلاق، وأعلى طبقاتها، وهو أوفى حسن الخلُق، وفيه آثارٌ كثيرة.
  قوله #: إِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ لَهُ عَلَى اللهِ أَجْرٌ فَلْيَقُمْ، فَيَقُومُ الْعَافُونَ عَنِ النَّاسِ، أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}.
  المنادي: هو الصائح برفيع صوته، وأكثر ما يُستعمل في الأمور المهمة، قال الحارث بن حِلِّزَة(١):
  أجْمَعُوا أمْرَهُمْ بِلَيْلٍ فَلَمَّا ... أصْبَحُوا أصْبَحَتْ لَهمْ ضَوْضاءُ
  مِنْ منادٍ ومِنْ مجيبٍ ومِنْ تَصْـ ... ـهَالِ خَيْلٍ خِلَالَ ذَاكَ الرُّغاءُ
= واللفَّاء من اللفف وهو اجتماع اللحم على الفخذ يلتف بعضه ببعض، والعيطاء طويلة العنق، والشمَّاء من الشَّمَمِ في الأنف وهو تطامن القصبة، وقيل أن تكون الأنف مرتفعة، وقوله ضامرة الكشحين: الكشح والخصر واحد، وهو مما يلي الخاصرة [إلى الضلع]، والخَدَلَّجَةُ: امرأةُ خَدَلَّجة مُمْتَلِئَةُ الذِّراعَيْنِ والسَّاقَيْنِ تمت، هامش (أ).
(١) الحارث بن حلزة بن مكردة بن يزيد اليشكري الوائلي (... نحو ٥٠ ق هـ / ... نحو ٥٧٠ م) شاعر جاهلي من أهل بادية العراق، وهو أحد أصحاب المعلقات، كان أبرصاً فخوراً، ارتجل معلقته بين يدي عمرو بن هند الملك، بالحيرة ومطلعها: «آذنتنا ببينها أسماء» جمع بها كثيراً من أخبار العرب ووقائعهم، وفي الأمثال: أفخر من الحارث بن حلزة، إشارة إلى إكثاره من الفخر في معلقته هذه «له ديوان شعر طبع»، انظر: الاعلام (٢/ ١٥٤)، الأغاني (١١/ ٤٢)، سمط اللآلي (٦٣٨)، الآمدي (٩٠)، ابن سلام (٣٥)، الشعر والشعراء (٥٣)، خزانة الأدب للبغدادي (١/ ١٥٨)، صحيح الأخبار (١/ ١١، ٢٢٦) ..