حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الغضب]

صفحة 198 - الجزء 1

  ويوم القيامة: هو يوم البعث، وقيام الناس من أجداثهم إلى ربهم كأنهم جرادٌ منتشر، ومعنى قوله #: مَنْ لَهُ عَلَى اللهِ أَجْرٌ يريد: من يجب له على الله أجر، وكلُّ مطيعٍ لله فأجره على الله، وإنما خُصَّ العفو بذلك لأنه أفضل الأعمال، وكان كذلك؛ لأنه يتضمن الصبر والكرم وحسن الخلق ومخالفة الهوى، وقصم قرون العصبية، وجَدْعَ أنف الحمية، وكلُّ واحدٍ من هذا له في الإسلام موقع، كما أنا نعلم أنَّ الكلَّ من الخَلْق عبادٌ لله، فخَصَّ سبحانه الصالحين بنسبتهم في العبودية إليه تشريفاً، فقال عز قائلاً: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ٦٣}⁣[الفرقان] الهونُ في المشي نقيض الْمَرَحِ، وهو الضرب بالرِّجْلِ للخيلاء، والسَّلَمُ: هو المسالمة، وهو ترك المشاحنة والمحاربة، والأجرُ هو الجزاء، والعافون: هم الذين يَهَبُون حقوقَهم لله تعالى صبراً واحتساباً، وصرَّح # بأنه أخذ الخبر عن الآية، وهو قوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}⁣[الشورى: ٤٠] وقد تقدم الكلام في معناه، إلَّا أنَّ العفو يتعلق بالغير، والإصلاح يتناول جميع الأعمال مما يتعدَّى ومما لا يتعدَّى.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنَّه ÷ كشف لنا بهذه الألفاظ الصحيحة، والمعاني الصريحة عن عِظَمِ منزلة العفو وجلالة خطره عند الله تعالى، وذلك واضح لكل متأمِّلٍ؛ ألا ترى أنَّه قال: «مَنْ لَهُ عَلَى اللهِ أَجْرٌ فَلْيَقُمْ» فقام العافون عن الناس من غير إشعارٍ بلفظٍ يُبَيِّن أنهم المرادون، وما ذلك إلَّا لسبق البشارات إليهم عند فراق الدنيا بأنَّ من عفا عن غيره لم يكن بينه وبين الملائكة $ معاملةٌ في حساب ولا عرض ولا شهادة تقريرٍ وتشغيب، وأنَّ أجرهم قد وجب على الله تعالى، واخْتُصُّوا بتخفيف مُؤْنَةِ الحساب، ورُفعتْ عنهم مشقَّةُ السؤال والجواب، فنسأل الله تعالى أنْ يجعلنا من العافين لوجهه، الغاضبين لدينه، وكافَّةَ المسلمين، والصلاة على محمد وآله.