[الغضب]
  قال: قال رسول الله ÷: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى.
  يقولُ من القول. (اللهُ) الذي تأْلَهُ إليه القلوب، أي تميل وتصغي إلى محبته لاستحقاقه لذلك. و (تعالى) يُفيد أنَّه الأجلُّ الأكبر، فلا أعلى منه ولا أكبر، بل هو أعلى من كلِّ شيءٍ قدراً وشأناً، إذ التعالي مستحيلٌ في حقِّه؛ لأنَّه ليس له حالة نقصٍ ارتفع عنها حالاً بعد حالٍ، تقدَّس عن ذلك ذو الجلال.
  و (ابنُ آدمَ) يُطلق على الإنسان، وآدمُ هو أبو البشر، فلا بشر قبله، ونطق الكتابُ بتسميته آدم من عند ربه، وروينا عن ابن عباس ¥ أنَّه سُمِّي آدمَ لأنَّه خُلِق من أديم الأرض أي وجهها، وذهب أهل التعطيل من الباطنية إلى أنَّه أوّلُ داع في عالم الستر، وأنَّه أولُ البشر بالولادة الروحانية لا الجسمانية، ولسنا نشحن بذكر خرافاتهم الأوراق، فقد نبأنا الله من أخبارهم، وهتك بمعرفتنا الحصيف(١) من أستارهم، ويكفيك في ذلك أنَّ قولهم رَدٌّ لِمُحْكَم الكتاب، ومعلوم السنة، وإجماع العترة والأمة، ولاشك أنَّ ما هذا حاله انسلاخٌ عن الدين، وخروجٌ عن الملَّة.
  ومعنى تُؤتى كلَّ يوم برزقك: معناه يوصل إليك رزقك لا محالة، وإن شككت في ذلك فارْحَضْ(٢) قلبك من عارض هذا الشك بالفكر في الحيوانات التي لا تدَّخر أقواتاً، ولا تملك بتاتاً(٣)، لا تخاف مع مالكها عَيْلَةً، ولا تدخر بِيتَ ليلة(٤)، وأرزاقها دارَّة، وعيونها قارَّة. لا فرق بين قولك أتاني، وبين قولك وصلني، والمؤْتِي والموصلُ هو الله تعالى. وكلّ يوم: عامٌّ في جميع الأيام التي هي مدة حياة الإنسان.
  والرزقُ ما مَلَّكَ الله تعالى عبدَه من الأرزاق والمنافع؛ كافراً كان أو مؤمناً، أو من المذبذبين المنافقين وأشباههم الفاسقين، فالكلُّ قد رزقه الحكيم سبحانه ليُقِيمَ الحجة عليه يوم القيامة، ولله
(١) الحَصِيف: الْمُحْكَم. وإِحْصَاف الْأَمْرِ: إِحْكَامُهُ، (النهاية ١/ ٣٩٦) والقصد: هو أقوى ما يتسترون به.
(٢) الرَّحْضُ: الغَسْلُ. تمت، نهاية.
(٣) الْبَتَاتُ زادُ المسافر، قال طرفة:
وَيَأْتِيكَ بالأَنْباءِ مَنْ لم تَهَبْ له ... بَتاتاً ولم تَضْرِبْ له وَقْتَ مَوْعِد
تمت، هامش (أ). والبيت في الديوان وفي قواميس اللغة: بإبدال كلمة: لم تَهَبْ بـ: لم تَبِعْ.
(٤) يُقال: ما له بِيتُ لَيْلَةٍ، أي قُوتُ لَيْلَةٍ، تمت ضياء، هامش (أ).