حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[الغضب]

صفحة 201 - الجزء 1

  تعالى الحجة البالغة، فيقول: أكلتَ رزقي وعصيتَ أمري، بل ظاهر هذه الحكاية عن الله سبحانه تقضي بأنَّ المراد بها مَنْ ذَكَرْنا دون المؤمنين، لأنَّ صفة المؤمنين مخالفةٌ لمن وَصَفَ سبحانه في هذا الحديث على لسان نبيه ÷.

  والحزن نقيض السرور. والنقص نقيض الزيادة. والعمر مدة أيام الحياة. والفرح نقيض الغمِّ، والغمُّ انقباضٌ في القلب وتشنج في عروقه؛ فتضيق لذلك النفس، ويتقطَّب الوجه. والسرور انبساط في القلب، وتَفَتُّحٌ في عروقه؛ فتتوسع له النفس وينشرح الصدر، وينطلق الوجه.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنَّ ابن آدم يُؤتى لا محالة برزقه كلَّ يوم من لدن خالقه، لا ينقطع من قِبَلِه رزقُه حتى ينقطع بأمره أجلُه، بل ما تَهَزْهَزَ في الدنيا رأسه سنَّى⁣(⁣١) له رزقه، ومنحه فضله، وابتلاه بذلك إمّا شاكراً وإمّا كفوراً، ثم أخبر سبحانه لسوء تدبيره، وضعف نظره أنَّه يحزن مع ذلك لفوات ما لم يُكتبْ له في الذكر حصولُه، ولم يُقدَّر وصوله، وهذا بلوغ الغاية القصوى في جشعه وهلعِه، وقلة يقينه وطَبَعِه⁣(⁣٢)، ولا ينجو من ذلك إلا من رَحِم الكريم، وعَصَم الرحيم، وكيف يحزن العاقل لذلك وهو بالنظر الثاقب يعلم أنَّ حزنه لا يزيد في شيء من رزقه، بل يشغل جوارحه عن عبادة ربه، وهذا جهلٌ من راكبه، وهلاكٌ لصاحبه، وقد حكى سبحانه أنه أضاف إلى هذا الجهل الأول جهلاً ثانياً وهو فرح ابن آدم بِتَقَضِّي الأيام المقَرِّب إلى الِحمام، ونسي أنها تطوي عمره طَيَّ الصحيفة، وأنَّ له في الذكر الحكيم أنفاساً معدودة في أيام محدودة، هل يبقى عمر تُنْقِصُه طرفةُ العين، وتَصْرِمُه⁣(⁣٣) شَفْرة الحَيْن؟ وقد كان الأولى بالعاقل أنْ يحزن لتدارك الأيام، إذْ تداركها ينقص عمره، ويقرن الرضى بالفرح على ما وُهِبَ له من كفاف الأرزاق، إذ فيه بلاغ، وقد روينا عن النبي ÷: «إنَّ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ حِسَابٌ».


(١) سَنَّى لَهُ: سَهَّلَ لَهُ وَفَتَحَ لَهُ، يُقَالُ: سَنَّيْتُ الشيءَ إِذَا فَتَحْتهُ وسهَّلْته. وتَسَنَّى لِي كَذَا أَي تيَسَّر وتأَتَّى. (لسان العرب ١٤/ ٤٠٤).

(٢) الطبَعُ بالتحريك: الوَسَخُ الشديدُ من الصَّدَأ، والشَّيْنُ والعَيْبُ. (القاموس المحيط: ٧٤٣)

(٣) تَصْرِمُهُ: أَيْ تَقْطَعُهُ، والحَيْنُ، بِالْفَتْحِ: الْهَلَاكُ.