[الغضب]
  يريد بكُلِّيَّتها، فأي مطلب بعد هذا.
  ولا شك أن الطالب لفوق الكفاية - والحال هذه - يتعرض للعصيان، وكيف يسعى لذلك عاقلٌ، أو يكدح فيه عاملٌ، والله عزَّ من قائلٍ يقول: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ}[الشورى: ٢٧] معنى ذلك: لو أعطاهم فوق ما تقتضيه المصلحة لبغوا وتعدَّوا، ومعنى بَغْيهم طلَبُهم ما ليس لهم، وكان البغيُ في الأصل لكلِّ طلبٍ، فصار في العرف لطلبٍ مخصوصٍ، والتنزيل: تفعيلٌ من الإنزال، والقَدَرُ: هو الكتابة والعلم، والمشيئة: هي الإرادة لا فرق في ذلك، فهو ينزل مقداراً معلوماً لوقتٍ مفهوم، على حسب ما تقضي به الحكمة ويطابق المصلحة، والمؤيد لهذا كثيرٌ من آي الكتاب الكريم، ألم ترَ إلى قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ٣٣ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ٣٤ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الزخرف] الأُمَّةُ هاهنا هي الفِرقة التي يجمعها أمرٌ من الأمور فتصير به واحدةً بعد أن كانت متبدِّدة متفرقة، والجَعْلُ هاهنا هو الخَلْق والفِعْل، وقد يكون بمعنى الحُكْم، وليس هاهنا موضع استيفائه، والكفرُ: تغطية النعم بالجُحْدان، والتغطية هي الكفر، والْمُغَطِّي هو الكافر، والرحمن: اسم الله سبحانه، وهو مشتقٌّ من الرحمة، وفيه مبالغة، وهو مما لا يجوز إطلاقه على غيره، بخلاف رحيم، وبيوتهم: منازلهم وقصورهم، وسُمِّيتْ بيوتاً لِمَبيتهم فيها، وهو سكون الليل ومنامه، وعَمَلُ الليل يُسمَّى تَبْييتاً وبياتاً، وهم وإن سكنوا فيها بالنهار ولكن الأغلب والأظهر أن الإنسان ينتشر في النهار، ويأوي إلى بيته بالليل، فسُمِّي بيتاً لذلك، والسُّقُفُ: جمع سَقْفٍ وهي غطاء البيوت، والفضة معروفة، والزخرف: هو الذهب، وهو في الأصل لِمَا تحبه القلوب، والمعارج: جمع مِعْراج وهي الأمور التي يُرقى عليها، ومنه قولهم: ذا المعارج، أي ذا المراقي الشريفة والمراتب الزليفة، والمراد بالمعارج في الآية الأسِرَّةُ والكراسي، والظهور: هو الارتفاع والطلوع والبيان والوضوح، فاشتملت الآية على فوائد جَمَّة، وإنما نذكر الأهم.