[قصة ثعلبة بن حاطب]
  وقد كان المخذول خالد بن عبد الله القَسْري(١) والياً للوليد بن عبد الملك فتمادى به الطغيان إلى أنْ فضَّل الخلافة على النبوَّة جُرْأةً منه على الله تعالى وتمرُّداً وعدواناً، فكان يقول على منبر المسجد الحرام، وكان من الفصحاء الخطباء، لكنها فصاحة تعود يوم القيامة بَكَماً لأنها جادلت بالباطل لتُدحِض به الحق: أيها الناس أيُّما أفضل؛ خليفة الرجل على أهله أم رسوله إليهم؟ فيقولون: بل خليفَتُهُ، فيقول: والله لو لم تعلموا فضل الخلافة على النبوة إلَّا أنَّ خليل الله إبراهيم # استسقى الله فسقاه الله مِلْحاً أُجاجاً، يعني زمزم شرفها الله وعَمَّرها، واستسقاه الخليفةُ فسقاه عذباً سمهجاً(٢)، وكان قد حفر عن أمر الوليد بن عبد الملك بئراً في الحرم فخرج ماؤها عذباً، فلما قال ذلك أصبحتْ قد غارت وعفَّى الله أثرها، فلا يُعرف مكانها الآن مع شهرتها فيما ما مضى(٣).
  يقال: ذات يوم؛ لكلِّ يوم لم يُعَيَّن. والجلوسُ معروفٌ، وهو نقيض القيام. والرؤيةُ تكون بالنظر وبالعلم، كما قال تعالى مخاطباً لنبيه #: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ٦}[الفجر] وعادٌ قبيلةٌ عظيمةٌ، كانت من أرجح الناس حُلُوماً، وأعظمهم جسوماً، فبعث الله هوداً # فكذَّبوه، وكان واسط البيت فيهم عظيم الخطر لديهم، فارتكبوا الدهماء في أمره، وفتنهم الشيطان عنه، فأُهْلِكوا بالريح العقيم كما حكى الله تعالى في الكتاب الكريم، ورسولُه #
(١) خالد بن عبد الله القسري كان والياً لبني أمية وكان رجلَ سوء، وكان ممن يلعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب #، وله أخبار شهيرة وأقوال فظيعة، ذكرها أصحاب التواريخ، وهو الَّذِي قَالَ يوم الأضحى: إني مُضَحٍّ بالجَعدِ بنِ دِرْهم، زعم أن اللَّه لم يكلم مُوسى تكليما، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، ثم نزل فذبحه، ... قُتِلَ بالكوفة في سجن يوسف بن عمر عام ١٢٥ هـ أو ١٢٦ هـ كما ذكره ابن خلكان، وذكر قصة تفضيله للخليفة على الرسول بشكل يبرئه، وذكر أن أمه كانت نصرانية، وأنه بنى لها كنيسة تتعبد فيها ... ثم مدحه وترحم عليه ... الخ (انظر وفيات الأعيان ٢/ ٢٢٨) وانظر ترجمته أيضاً في كتب القوم مثل سير أعلام النبلاء وتاريخ الإسلام للذهبي وغيرها تجد المدح والإكثار والتعليل والتبرير في صفحات كثيرة، ثم انظر إلى تراجم أهل بيت النبوة $ وأشياعهم ¤ في تلك الكتب فستجدها مقصورة في أسطر قليلة، فهذا دينهم وعقيدتهم، وهؤلاء عمدتهم وثقاتهم ورواتهم وبطانتهم، ا. هـ.
(٢) السّمْهَجُ: اللبن إذا كان حلواً دسماً، ذكره في النظام، تمت، هامش (أ) (انظر لسان العرب ٢/ ٣٠١).
(٣) قصة الخطبة والبئر وغورها ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية (١٢/ ٤١٩ - ط هجر)، و (٩/ ٩٢ ط إحياء التراث)، والفاكهي في أخبار مكة (٣/ ٤٦) وابن الأثير في الكامل في التاريخ (٤/ ١٨) والطبري في (تاريخ الرسل والملوك: ٦/ ٤٤٠) الذهبي في تاريخ الإسلام (٦/ ٣٥).