[قصة ثعلبة بن حاطب]
  لم يرَهُم بعينيه، وإنما عَلِم قصتهم من عند ربه.
  والضحك نقيض البكاء ولا أشهر من لفظه فنحدُّه به، وقد يكون تعجُّباً وإن لم يقع في القلب مسرَّة وهو الأقل، وقد يكون سروراً وهو الأكثر، وهو هاهنا للتعجب من الأمر المهِمِّ الذي لا يَهتَمُّ الناس به مع عِظَمِ الخَطْب فيه، وحتى في الحكاية لضحكه # تكون للغاية، معناه أنَّ ضحكه # انتهى إلى بُدُوِّ ثناياه، وهذا دليل على أنَّه # كان خفيف الضحك على طلاقته وحسن أخلاقه؛ لاشتغاله بأمر ربِّه، والثنايا أربعٌ، اثنتان من أعلى واثنتان من أسفل، ويتلوها الرُّباعِيَّاتُ وهي أربعٌ كذلك، ثم الأنيابُ وهي أربعٌ كذلك، ثم الضواحكُ وهي أربع كذلك، ثم الأَرْحاءُ وهي اثنتا عشرة رحاً ثلاثٌ من كل جانب، ثم النواجذ وهي أربعة كذلك، وهي آخر ما يَنْبُتُ، والعامة تُسمِّي الناجذ سِنَّ الْحِلْمِ؛ يزعمون أن الإنسان عنده يتكامل عقلُه الأصلي، ثم لا يستفيد بعده إلَّا عِلْم التجارب وحُنْكَةَ العادات.
  قال الراوي: فَقِيلَ لَهُ: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: رَجُلَانِ مِنْ أُمَّتِي جَثَياَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي.
  قيل له بمعنى سُئِلَ. مِمَّ تضحك؟ استفهامٌ من سبب ضَحِكِهِ، لذلك لم يثبت الألف في مِمَّ، وكانوا لا يدْعونه باسمه ÷ توقيراً له وتعظيماً، بل يقولون يا رسول الله، يا نَبِيَّ الله، وإنما كان يناديه باسمه جُفاة الأعراب: يا محمد؛ يا محمد؛ فنعى الله سبحانه ذلك عليهم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ٤}[الحجرات] النداءُ والدعاءُ معناهما واحدٌ، وهو مَدُّ الصوت لإسماع الغير، ووراء بمعنى خلف، وقد يكون بمعنى قُدَّام، لأن وراء من أسماء الأضداد، قال قائلهم:
  أَلَيْسَ وَرائي إِنْ تَراخَتْ مَنِيَّتي ... لُزُومُ العَصَا تُحْنَى عليها الْأَصابِعُ(١)
  يريدُ أمامي وقُدَّامي، وهو في الآية بمعنى خلف، و {الْحُجُرَاتِ} هي الحيطان والحواجز، وأصله مأخوذ من حجرات بيت الشَّعَر وهي كسوره التي على بَوَانِيهِ(٢) وخَوالِفِهِ، وسُمِّيتْ
(١) البيت للبيد بن ربيعة العامري، قال في هامش (أ): وبعده:
أُخبِّرُ أخْبارَ القُرونِ التي مَضَتْ ... أَدِبُّ كأنِّي كُلَّما قُمْتُ راكِعُ
(٢) والبُوانُ بالضم والكسر: عَمودٌ للخِباءِ ج: أبْوِنَةٌ وبُونٌ بالضم وكصُرَدٍ (القاموس المحيط: ١١٨١) وقال في هامش (أ) ما لفظه: البواني جمع بُوَنٍ وهي من أعمدة الخيمة، وكذلك الخوالف، وقيل: البُوان عمود مقدمه [أي مقدم البيت] والخالفة عمود المؤخر، وكِسرُ البيت حوليه، تمت.