[قصة ثعلبة بن حاطب]
  حجرات لأنها تمنع، لأن الحَجْرُ في الأصل هو المنع، قال الشاعر:
  وأحْجَرُ مُبْيَضُّ الصَّقِيعِ(١) كَأنَّه ... عَلَى حُجُراتِ البَيْتِ قُطْنٌ مُنَدَّفُ
  {أَكْثَرُهُمْ} نقيض أقلِّهم، {لَا يَعْقِلُونَ ٤} يريد لا يعلمون؛ لأنَّ العقل هو العِلم، وقد خصَّ المنادي لرسول الله ÷ باسمه، والراضي بذلك النداء على ذلك الوجه، فدلت الآية على أنَّ فيهم من لم يَرْضَ النداء على تلك الصفة، ومعنى قوله {لَا يَعْقِلُونَ ٤} يريد لا يعلمون آدابَ النبوة وجلالة الأنبياء $ لجفاوتهم وبداوتهم، والعقل هاهنا هو العلم بذلك، إذ لم يعقِلوه بمعنى يعلموه.
  ورجلان تثنية رجل، وهما مُنَكَّران، وأُمَّته # المصدِّقون به عرفاً وشرعاً، فأما في اللغة: فهم الذين بُعِثَ فيهم وهو من جنسهم، وهو يُحْمَل هاهنا على حقيقة العرف والشرع؛ لأنَّ ذلك حكم خطاب الله سبحانه وخطاب رسوله على ما هو مُقرَّر في مواضعه من أصول الفقه.
  قوله: جَثَياَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي.
  الجُثُوُّ في الإنسان كالبُروك في البعير قال قائلهم:
  أُخَاصِمُهُمْ مَرَّةً قَائِماً ... وأجْثُو إذَا مَا جَثَوْا لِلرُّكَبْ
  وكذلك يفعل الخصم.
  ويدا الرب هاهنا قدرته، وثَنَّاها للتأكيد، إذ الجارحةُ تستحيل عليه تعالى، والرَّبُّ: هو المالك، وقدرته على سواء في كل مكان، وعلى كل إنسان، وإنَّما خصَّ هذين بأنَّهما بين يديه لأنهما انتهيا إلى مكان من الأرض لا حكم فيه لغير الله لفقد المتعبدين فيه، فكانا فيه بمنزلة الخصم بين يدي الحاكم.
  والخصم: لفظُهُ واحدٌ للواحد والاثنين والجماعة، تقول للواحد خصم، وللاثنين خصم، وللجماعة خصم، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ}[الأعراف: ٢٠٦] يعني الملائكة $، وإن كان الكلُّ عنده؛ لقدرته عليهم وسلطانه فيهم، فخَصَّ الملائكة $ بذلك لأنهم في مكانٍ لا حُكْمَ فيه لغيره، وخصومتهما هذه واقعةٌ، والفصل بينهما من الله سبحانه؛ لأنه ÷ أخبر عن واقع، ولأن العفو تَعَلَّقَ به الحكم، وبراءة الذمة، واستحقاق الثواب، وهذا لا يكون إلا مع بقاء التكليف.
(١) الصَّقيعُ: البَرْدُ الْمُحْرِقُ للنَّبات، تمت ضياء، هامش (أ).