حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[تفسير قول الله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة} ... الآية]

صفحة 213 - الجزء 1

  هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ٣٥}⁣[التوبة] قال ÷: «تَبّاً لِلذَّهَبِ، تَبّاً لِلذَّهَبِ، تَبّاً لِلْفِضَّةِ، تَبّاً لِلْفِضَّةِ» فقيل له: يا رسول الله فما خير الإنسان في دهره؟ قال: «لِسَاناً ذَاكِراً، وَقَلْباً شَاكِراً، وَزَوْجَةً صَالِحَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى دِينِه» فجعلها من جملة المطالب النفيسة، بل من أجَلِّ المكاسب المفيدة، فقد تبين لك أنَّ الحسنة تُطلق على مكاسب الدنيا، وقوله: مَا بَقِيَ مِنْ حَسَنَاتِي شَيْءٌ، معناه من مالي الحسن في عيني الذي أخرج به من عُهْدَةِ ما لزمني؛ إذ صار إلى مكان لم يتمكن فيه من تناول شيء من ماله.

[تفسير قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} ... الآية]

  ولنعد إلى ذكر الآية، الكنز في أصل اللغة: هو الجمع، كَنَزَ الشيءَ إذا جَمَعَه، فلما كان صاحب المال يجمعه سُمِّي ذلك المالُ كنزاً، ثم صار في عرف اللغة يفيد الجمع والدفن له أو التغيبة القائمة مقام الدفن، ثم نقل ذلك بالشرع الشريف إلى المال الذي لا تُخْرَجُ زكاتُه، فكلُّ مال لم يخرج منه حَقُّ الله فهو كنز؛ وإن لم يتجاوز العشرين المثقال، والمائتي الدرهم قفلة، والذهب عينٌ معروف، والفضة عينٌ معروفة، وقيل سُمِّي الذهب ذهباً من الذهاب، وسُمِّيت الفضة فضة من الانفضاض، وهو الافتراق، والإنفاق معروف وهو نقيض الإمساك، وقال: {يُنْفِقُونَهَا}، ولم يقل: ينفقونهما؛ لأنَّ الضمير في الهاء عائدٌ إلى الكنوز من مجموعهما، وسبيلُ الله تعالى: طريقه التي أَنْهَجَ لعباده، وأفضلُها الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ إذ جميع الطاعات مترتبٌ عليها.

  {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٣٤} البِشارة في الأصل: هي الإعلام بوصول محبوبٍ أو ارتفاع مكروه، تقول: بشَّرْتُ الرَّجل بخير، وبَشَرْتُه أَبْشُرُه وأُبَشِّرُهُ وبَشَّرْتُه مشدداً أيضاً من البشارة، وسُمِّيتْ بِشارةً لأنها تظهر في بَشَرَة الوجه، والعذاب: هو الضرر الواصل إلى العبد على جهة الاستخفاف والإهانة، قال الله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ٢}⁣[النور] وهو من أسماء الأضداد، وإن لم يكثر استعمال العذاب في جنبَة المحبوب، عذَّبْته بمعنى حَبَّبْته أي صيرته عذْباً، وعذَّبْته إذا عاقبته، فصار عندك مبْغَضاً، وأليم: بمعنى مؤْلم، كما قيل حكيم في مُحْكِم، وسميع في مُسْمِع، قال عمرو بن معدي كرب⁣(⁣١) في قصيدته العينية:


(١) عمرو بن معدي كرب الزبيدي: يكنى أَبَا ثور، قدم على رَسُول الله ÷ فِي وفد زبيد فأسلم، وذلك فِي سنة عشر. أقام بالمدينة برهة، ثُمَّ شهد عامة الفتوح بالعراق، وشهد مع أَبِي عُبَيْد بْن مَسْعُود، =