[تفسير قول الله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}]
  كلامه تعالى في قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ٢٢}[الفجر] والمجيء نقيض الذهاب، وهو من صفات المحدَثين الدالة على الحدوث، فحُمل على محذوفٍ مقدَّر، هو: وجاء أمر ربك، وهو في القرآن كثير جداً لا ينكره من يعرف القرآن حق معرفته.
  قال الراوي: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ÷: فَاتْقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ.
  اتقوا الله معناه لَقُّوه ستراً حاجياً واقياً من العمل الصالح، لأن سهامه تعالى النافذة لا يَجِنُّ(١) منها إلا ذلك. وإصلاح ذات البين: هو تنقية الظواهر والبواطن من فساد العداوة، وحمل الأحقاد المهلكة، لأن الإصلاح في اللغة هو تعهُّد الأمر ودفع ما يُفسده بأنواع الأعمال، كما يقال: أصلح فلان ضيعته، إذا نقَّاها مما يُفْسِد زرعها وعَمَرها، وهو ظاهر موجود.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أمر بإصلاح ذات البين، وخَوَّفَ من تركه واطّراحه بقوله #: «اتَّقُوا اللهَ» لأن ذلك لا يُطلق على المندوبات حقيقةً، لا يقول قائلهم: اتق الله، وافعل المندوب، أو صَلِّ نافلة، أو حج نافلة، وإنما يكون ذلك في مقابلة ترك الواجبات وفعل المحظورات، فكأن أمر صلاح ذات البين عظيماً، وخطر العفو جسيماً، وفي الحديث: «صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ».
[تفسير قول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}]
  هذا وقد سمعت الله تعالى يقول قولاً عامّاً: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ٩}[الحجرات] الطائفة: هي الجماعة، والمؤمنون: هم المصدقون بالنبي عليه وعلى آله السلام وبالذي جاء به، والمتبعون له. {اقْتَتَلُوا} أعاده إلى المؤمنين دون الطائفتين، لولا ذلك لقال: اقتتلا(٢).
(١) لَا يَجِنُّ: لَا يَقِي، والجُنَّة: الوقاية والسترة، كما مَرَّ.
(٢) صوّب عليها في هامش (أ) بلفظه: صوابه اقتتلتا، إلا أن يكون عائداً إلى معنى طائفتين أي رهطين كما في الكشاف، تمت.