حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[تفسير قول الله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}]

صفحة 226 - الجزء 1

  {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}، لأن هذا هو الواجب في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يُبتدأَ بالرفق والأمر الأهون، والإصلاح يقع بالوعظ والتذكير والاحتجاج والتخويف. {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا} عاد إلى الطائفتين، وبغيها: طلبها ما ليس لها شرعاً، وإن كان أصل البغي الطلب. {عَلَى الْأُخْرَى} يريد الثانية التي لم تبغ، ولأن كون إحدى الطائفتين من المؤمنين عادلة والأخرى جائرة؛ لأن الشرع الشريف قد منع من اجتماعهم على الضلالة، ولأنهم أُطلق عليهم اسم الإيمان، وأخبر باستقامة إحدى الفرقتين، فإذا فعلت ولم ينجع⁣(⁣١) فيها الإصلاح وتعدت الحدود المضروبة إلى القتل والقتال على الجهل والضلال؛ وجب قتالها {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} بمعنى ترجع، يقال: فاء إذا رجع. وأمر الله تعالى هو صلاح ذات البين، {فَإِنْ فَاءَتْ} بمعنى رجعت إلى أمر الله {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} العدل نقيض الجَور، وهو إيفاء حق الغير والاستيفاء منه، وإنما يريد أن يحكم بالعدل فيما وقع بينهما من سفك الدماء وأخذ الأموال التي تتعلق أبداً بالقتال. {وَأَقْسِطُوا}: اعدلوا، يقال: قسط إذا جار، وأقسط إذا عدل {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ٩} أي العادلين. فانظر ما في العدل من الخيرات المرَغِّبة في فعله، وما في الجور من الأمور المخَوِّفة من ركوبه، وإنما ينتفع بالتذكير الذاكرون، ويعتبر بالعبر الناظرون، فمن جعل همه النظر في واعظات الدين ولوازمه استمسك بحبل متين، وفاز بعِلْقٍ⁣(⁣٢) ثمين، ولجأ إلى ركن ركين، واستكن بكِنٍّ كَنين⁣(⁣٣)، ومن كان عند ذكرها لاهياً، وعند النظر فيها ساهياً استوقر⁣(⁣٤) حُجَّة، واقتحم لُجَّة، فنسأل الله التوفيق والنجاة، وحسن الممات والحياة، والصلاة على محمد وآله.


(١) نَجَعَ الوَعْظُ والخِطابُ فيه: دَخَلَ فَأَثَّر، (القاموس المحيط: ٧٦٥).

(٢) العِلْقُ، بالكسر: النَّفيسُ من كلِّ شيءٍ، ج: أعْلاقٌ وعُلوقٌ. (القاموس المحيط: ٩١١)

(٣) اسْتَكَنَّ: اسْتَتَرَ، والكِنُّ والكِنَّةُ والكِنَانُ: وِقاء كُلِّ شيءٍ وسِتْرُه. والكِنُّ: الْبَيْتُ أَيضاً، (لسان ١٣/ ٣٦٠).

(٤) اسْتَوْقَرَ إِذا حَمَلَ حِمْلًا ثَقِيلًا، والوِقْرُ بِالْكَسْرِ: الثِّقْلُ يُحْمَلُ عَلَى ظَهْرٍ أَو عَلَى رأْسٍ، (لسان ٥/ ٢٩٠).