[في وصف يوم الهول الأكبر]
  قوله #: فَأَماتُوا مِنْهَا مَا خَشُوا أَنْ يُمِيتَهُمْ، وَتَرَكُوا مِنْهَا مَا عَلِمُوا أَنْ سَيَتْرُكُهُمْ.
  الإماتة: نقيض الإحياء، يقال أرض مَواتٌ، وإنسان مَيِّت، فإذا عُمِرت الأرض قيل: مُحياة، فإذا بُعِث الإنسان قيل: مُحيا، فكان بإماتتها تَرْك إثارتها، وإغفال عمارتها. والخشية والمخافة معناهما واحد، تقول: خشيت كذا وكذا أو خفته، لا فرق في ذلك، قال النابغة(١):
  قد عَيَّرَتْني بنو ذُبْيانَ خَشْيَتَهُ ... وَهَلْ عليَّ بِأَنْ أَخْشاهُ مِنْ عار
  أراد الملك النعمان، وكانت بينهما وحشة شرحها يطول(٢).
  وإماتتهم نقيض إحيائهم. والترك نقيض الأخذ، تَرَكَه إذا لم يلتفت إليه ولم يأخذه. قال زهير بن أبي سُلمى المزني(٣) في قصيدته الكافية - وقيل إنها أجود كافية قيلت على(٤) الأرض:
  بَانَ الخَلِيطُ ولَمْ يَأْوُوا(٥) لِمَنْ تَرَكُوا ... وَزَوَّدُوكَ اشتيِاقَاً أيَّةً سَلَكُوا؟
(١) النَّابغَة الذُّبْيَاني (٠٠٠ - نحو ١٨ ق هـ) زياد بن معاوية بن ضباب الذبيانيّ الغطفانيّ المضري، أبو أمامة: شاعر جاهلي، من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز، كانت تضرب له قبة من جلد أحمر بسوق عكاظ فتقصده الشعراء، فتعرض عليه أشعارها .... عاش عمرا طويلا ... (الأعلام للزركلي ٣/ ٥٤).
(٢) خلاصتها أنّ النابغة حظيّاً عند النعمان بن المنذر، حتى شبب في قصيدة له بالمتجردة (زوجة النعمان) فغضب النعمان، ففر النابغة ووفد على الغسانيين بالشام، وغاب زمنا. ثم رضي عنه النعمان، فعاد إليه.
(٣) زهير بن أبي سُلْمى (٠٠٠ - ١٣ ق هـ) زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني، من مضر: حكيم الشعراء في الجاهلية. وفي أئمة الأدب من يفضله على شعراء العرب كافة. قال ابن الأعرابي: كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره، كان أبوه شاعراً، وخاله شاعراً، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة .... قيل: كان ينظم القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في سنة فكانت قصائده تسمى (الحوليّات) أشهر شعره معلقته التي مطلعها: (أمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ)، (الأعلام للزركلي ٣/ ٥٢).
(٤) فِي بَقِيَّةِ النُّسَخ: أجود كافية فِي الْأَرْضِ.
(٥) يقال: أَوَيْتُ لِفُلانٍ مَأْوِيَةً أي رَثِيتُ لَهُ، قال: ... وَلَوْ أَنَّنِي اسْتَأْوَيْتُه مَا أَوَى لِيَا.
يقال أيضاً: أَوَى أَيَّةً، وأصلها أَوْيَة، فأُدْغِمَتْ، قال:
أَرَاني ولا كُفْرانَ لِلَّهِ أَيَّةً ... لِنَفْسِي لَقَدْ طَالَبْتُ غَيْرَ مُنِيلِ
أَيَّةً لنفسي: أي رَحْمَةً، تمت ضياء، هامش (أ) (انظر لسان العرب ١٤/ ٥٣) وأَيَّةً التي في عجز البيت: بمعنى: أَيّ وِجْهَةٍ سَلَكُوا، فأَنثها حِينَ لَمْ يُضِفْهَا، (انظر لسان العرب ١٤/ ٥٧).