[في وصف يوم الهول الأكبر]
  قوله #: فَمَا عَرَضَ لَهُمْ مِنْ نَائِلِهَا عَارِضٌ إِلَّا رَفَضُوهُ، وَلَا خَادَعَهُمْ مِنْ رِفْعَتِهَا خَادِعٌ إِلَّا وَضَعُوهُ.
  عرض إذا لاح واعْتَنَّ ولقي، ولا يكون ذلك إلا فيما لا دوام له، هذا حكم العارض عندهم. ونائلها عطاؤها. عارضٌ هو الأمر الذي يَعْرِض بمعنى يُستقْبَل، قال قائلهم(١) يصف عسكراً لَقُوهُ:
  فَجَاءُوا عَارِضاً بَرِداً(٢) وَجِئْنا ... كَمِثْلِ السَّيْلِ نَرْكَبُ وَازِعَيْنا
  والرفْضُ: هو اطِّراح الأمر وإلقاؤه بنَبْذٍ وشِدَّةٍ كراهيةً، وأحسب أنه من رَفْض البعير برجله إذا أحس فيها شيئاً يريد سقوطه كالقُرادِ وشِبْهِه.
  قوله: وَلَا خَادَعَهُمْ مِنْ رِفْعَتِهَا خَادِعٌ إِلَّا وَضَعُوهُ.
  المخادعة: مفاعلة من الْخَدْع، وأصل الخدع والخديعة الفساد، من ذلك قولهم: خَدَع الريقُ إذا فسد، ثم استعير ذلك لكل فاسد، وكان المكر عندهم والغيلة من أقوى أنواع الفساد، فسموها خديعة وخداعاً، وسمي الْمَخْدَعُ(٣) في البيت مخدعاً من ذلك؛ لأن الغيلة لا تؤمن منه.
  ورِفْعَتُها: شَرَفُها ومُلْكُها وعُلُوُّها، والخادع هو فاعل الخَدْع، كما أن الضارب فاعل الضرب، والوضع نقيض الرفع.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أن أولياء الله الذين تقدمت صفتهم ما عرض لهم من الدنيا عارض إلا رفضوه؛ لعِلْمهم بقِلة بقائه، وسرعة فَنائه، وأنه لا يستقر ولا يدوم، وإنما هو حالُ إقباله في حكم المدبر، ووقتُ بقائه في حكم الفاني؛ لأن الإدبار عادته، والفناء نهايته، وذو العادة المستمرة لا يتركها، وطالبُ الغاية المستقرة لا يقف دونها، وقد قال رسول الله ÷: «الدُّنْيا عَرَضٌ حَاضِرٌ، يأكُلُ مِنْها الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ» فجعلها في حال حضورها عرضاً لأنها لا بقاء لها في وقت حضورها. ونائلُها هي خيراتها وزهرتها وزخاريفها. ورفْضُهم له ترْكُهم إياه؛
(١) نُسِبَ البيت في دِيوان الْحَماسَة إلى عَبْدِ الشَّارِقِ بنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْجُهَنِيّ، ولم نحصل له على ترجمة، وقال شارح ديوان الحماسة: وازعَيْنا، بفتح العين.
(٢) الْعَارِضُ: السَّحَاب الْمُعْتَرض فِي الْأُفق، وَالْبَرِدُ الَّذِي فِيهِ الْبَرَدُ (بِفتْحَتَيْنِ) والوازع: الَّذِي يرتب الْجَيْش ويصلحه وَيقدم وَيُؤَخر، (شرح ديوان الحماسة للتبريزي: ١٧٠).
(٣) المِخْدَعُ، الْبَيْتُ الصَّغِيرُ الَّذِي يَكُونُ دَاخِلَ الْبَيْتِ الْكَبِيرِ، وَتُضَمُّ مِيمُهُ وَتُفْتَحُ، (لسان العرب ٨/ ٦٥).