حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[حب الرفعة وخطره على النفس]

صفحة 236 - الجزء 1

  الليل، وقد خرج لقضاء حاجته ليلاً، وزعم بعض من زعم أنه سُمِعَ من الجن قائلاً يقول:

  قَتَلنا سَيِّدَ الْخَزْرَ ... جِ سَعْدَ بنَ عُبادَة

  رَمَيْناهُ بِسَهْمَينِ ... فَلَمْ نُخْطِ فُؤادَهْ

  فقال في ذلك بعض الأنصار، وكان سعد قَبْلُ مغاضباً لأبي بكر ممتنعاً من بيعته، وروي عنه أنه قال: لما رأينا قريشاً عدلت بالأمر عن أهله طمعنا فيه، في قصص طوال، فقال بعض الأنصار في ذلك:

  يَقُولُونَ سَعْداً شَقَّتِ الْجِنُّ بَطْنَهُ ... ألَا رُبَّما حَقَّقْتَ فِعْلَكَ بِالْعُذْرِ

  وماذَنْبُ سَعْدٍ أنَّهُ بالَ قائِماً ... وِلَكِنَّ سَعْداً لَمْ يُبَايعْ أبا بَكْرِ

  لَئِنْ صَبَرَتْ عَنْ فِتْنَةِ الْمَالِ أنْفُسٌ ... لَمَا صَبَرَتْ عَنْ فِتْنَةِ النَّهْي وَالأَمْر

  يُعرِّض بأبي بكر في ذلك، وأنه لم يصبر عن رفعة النهي والأمر وشرف الرئاسة.

  وأعلم أن أعلى طبقات الرفعة في هذه الدنيا الإمارة، فقد روينا فيها عن النبي ÷ ما يوجب أن لا يدخلها إلا من اضطره أمرُ الله إليها، وحمله خوف الوعيد عليها، كما روي عن أمير المؤمنين # في شأن إمارته: (فَلَمْ أَرَ إِلَّا الْقِيَامَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلَامُ) وكذلك حال الأخيار من ذريته سلام الله عليهم إلى يومنا. ورواياتنا عن النبي ÷ في هذا الشأن كثيرة، وإنما نذكر طرفاً على قدر احتمال المكان.

  من ذلك ما روينا عن أمير المؤمنين # قال: قال رسول الله ÷: «أفْضَلُ الْأعْمَالِ عِنْدَ اللهِ إيمَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَغَزْوٌ لَا غُلُولَ فِيهِ، وحَجٌّ مَبْرُورٌ، وَأوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجنَّةَ شَهِيدٌ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّه، وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ، وَرَجُلٌ عَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيالٍ، وَأوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ أَمِيرٌ مُتَسَلِّطٌ لَمْ يَعْدِلْ، وَذُو ثَرْوَةٍ مِنَ الْمَالِ لَمْ يُعْطِ مِنَ الْمَالِ حَقَّهُ، وَفَقِيرٌ كَفُورٌ» فما خير رفعة قدمت صاحبها مدة حقيرة في أيام يسيرة وأدخلته النار في أول الداخلين، ثم لم تخرجه منها أبد الآبدين، ودهر الداهرين، فيا لها صفقة ما أخسرها وأدبرها،


= وقال الإمام عبد الله بن حمزة في شرح الرسالة الناصحة: رُوي من قوله أنه قال: (لما رأيناهم عدلوا بالأمر عن أهله طمعنا فيه)، قُتل بحوران، من أعمال دمشق، سنة خمس عشرة تقريباً. أخرج له: أبو طالب، والجرجاني، ومحمد، والأربعة. (انظر لوامع الأنوار - ط ٣ - ج ٣/ ١٣٠، وشرح الرسالة الناصحة: ٢١٣) وروى السيد حميدان أن قائل الأبيات: (يَقُولُونَ سَعْداً ...) هو حسان بن ثابت.