[حب الرفعة وخطره على النفس]
  في قصيدة له مُقَصَّدَة، يريد بقوله: غير أخلاق، غير بالية، وهو يريد الأكفان لأنها تتخذ في الأغلب جُدُداً، وقد قيل إنَّ قصيدته هذه أولُ قصيدة قيلت في ذم الدنيا، وأنها قبل النبي ÷ بخمسمائة عام.
  قَوْلُه #: وَخَرِبَتْ بَيْنَهُمْ. الخراب لا يكون إلا في البناء والبنيان، وهو نقيض التركيب والعمارة، والتخريب نقيض البناء. يقال: خرَّبَه يُخَرِّبُه تَخْرِيباً إذا نَقَضَه، وعَمَرَه إذا أصلحه وردَّه إلى حال الاستواء.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أن الدنيا خَلِقَتْ لطول تَكَوُّر الأعصار عليها، وتقلُّبِ الأدهار فيها، وقضى الرَّبُّ لها بذلك(١)، فلم ير أولياء الله تعالى أن يجدِّدوا ما قضى الله تعالى بإِخْلاقه، ولا يعمروا ما أراد خرابه؛ إذ تجديده يكون في حكم المخالفة لأمره، وعُمرانه يكون في حكم الرَّدِّ لقضائه، وهل هي إلَّا سبيلٌ عَبَرَها الناجون فنجوا، وسكنها الهالكون فأُزْعجوا، والزاد قليل، والرحل ثقيل.
  قوله #: وَمَاتَتْ فِي صُدُورِهِمْ فَمَا يُحْيُونَهَا، بَلْ يَهْدِمُونَهَا فَيَبْنُونَ بِهَا آخِرَتَهُمْ، وَيَبِيعُونَهَا فَيَشْتَرُونَ بِهَا مَا يَبْقَى لَهُمْ.
  ماتتْ نقيض حَيِيَتْ. وصدورهم مساكن قلوبهم، وقلوبهم محالّ علومهم، وإحياؤها يناقض إماتتها. والهدم نقيض البناء، قال بعض حكماء الشعراء:
  أرَى أَلْفَ بَانٍ لَا تَقُومُ لِهَادِمٍ ... فَكَيْفَ بِبانٍ خَلْفهُ أَلْفُ هَادِم
  وأصل البناء رفع الشيء على الشيء، قال الشاعر:
  إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا ... بَيْتاً دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
  وآخرتهم هي دار الآخرة، وأضافها إليهم لمصيرهم إليها، وسميت آخرة لتأخر نزولها عن نزول الدنيا.
  قوله: وَيَبِيعُونَهَا، يريد أنهم عقدوا بينهم عَقْد البيع في المعاملة الآخريَّة، والسوابق المرضيَّة، والبيع هو ما يحصل فيه العقد ممن يجوز تصرفه على وجه التراضي بلفظين ماضيين، والشراء هو اللفظ الذي يقع في مقابلة لفظ البيع. وقد باع المؤمنون أنفسهم وأموالهم من الله تعالى بيعاً ربيحاً، واشترى سبحانه منهم شراءً مفيداً. والهاء في قوله: (يَشْتَرُونَ بِهَا) عائدٌ إلى الدنيا. والباقي نقيض
(١) في نسخة أخرى: (وَقَضاءِ الرَّبِّ لَها بِذَلِكَ) بالعطف على الجملة السابقة.