[حب الرفعة وخطره على النفس]
  اليأس. قال قائلهم يذم قوماً:
  حُرِمْتُمُ الْمَجْدَ فَمَا تَرْجُونَهْ ... وَحَالَ أَقْوَامٌ كِرَامٌ دُونَهْ
  وَجَدْتُمُ الْقَوْمَ ذَوِي زَبُونَة(١) ... [وَجِئْتُمُوا بِاللُّؤْم تَنْقُلُونَهْ]
  والخوف: نقيض الأمان، وهو فَزَعٌ يعتري الإنسان من الأمر المنتظر المجهول وقت الوقوع، قال الله تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}[القصص: ٢١] معنى الخوف ما قدمنا، والترقب: هو التنظّر، والمحذور: هو الكريه المتوقع، والحاذر: هو الحازم الخائف. قال الشاعر يصف القنا:
  نُصَرِّفُهُ لِلطَّعْنِ فَوْقَ حَوَاذرٍ ... قَدِ انْقَصَفَتْ فِيهِنَّ مِنْهُ كُعُوبُ(٢)
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنَّ أولياء الله تعالى نظروا إلى أهل الدنيا الذين أثاروها حق الإثارة، وعمروها جَهد العمارة، فعقدوا أبوابها، وعمَّدوا قبابها، ورفعوا قصورها على الآساس الوثيقة، ونحتوا خراطيمها بالآلات الدقيقة، فقوَّموا أنوفها، وحدَّدوا حروفها، من مَرْمَرٍ(٣) ورُخام، وطوبٍ وسِلام(٤)؛ مُصرَّعين في أثنائها، ومطرحين في أرجائها، قد صاروا رمماً بالية، وصارت منازلهم خالية، وآثارهم عافية(٥)، فهل ترى لهم من باقية؟ ولا تسمع لهم واعية، فاعتبروا بذلك الأمر الهاجم، والخطب الناجم، الذي فرَّق بين الأكُفِّ والمعاصم، والرواجب والبراجم(٦)، وجمع بين عظام الملوك الأعاظم ورِمَمِ ضَعَفَةِ المماليك الأعاجم.
(١) الزَّبْنُ: الدفع، أي يمنعونكم، تمت، هامش (أ) (انظر القاموس: ١٢٠٢).
(٢) الحَوَاذِرُ هاهنا: الخيل، تمت، هامش (أ)، وانقصفت بمعنى تَكَسَّرَتْ، والبيت لأبي الطيب المتنبي، وفي ديوانه بدلا من (كُعُوبُ): كِعابُ، وبعده:
أَعَزُّ مَكَانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ ... وَخَيْرُ جَلِيسٍ في الزَّمَانِ كِتَابُ
(٣) الْمَرْمَرُ وِزَانُ جَعْفَرٍ: نَوْعٌ مِنْ الرُّخَامِ إلَّا أَنَّهُ أَصْلَبُ وَأَشَدُّ صَفَاءً، (المصباح المنير ٢/ ٥٦٨).
(٤) السِّلام: جَمْعُ سَلِمَة، وهي الحجارة، (انظر لسان العرب: ١٢/ ٢٩٧).
(٥) عَافِية بِمَعْنَى دَارِسَة، مَطْمُوسَة، مَأْخُوذٌ من العَفْو وَهُوَ التَّجاوزُ عَنِ الذَّنْب وتركُ العِقَاب عَلَيْهِ، وأصلُه المَحْوُ والطَّمْسُ، (انظر النهاية في غريب الحديث والأثر ٣/ ٢٦٥).
(٦) الرَّوَاجِبِ: رُؤُوسُ السُّلَامِيّاتِ مِنْ ظَهْرِ الْكَفِّ إِذَا قَبَضَ الْقَابِضُ كَفَّهُ نَشَزَتْ وَارْتَفَعَتْ، واحدُها رَاجِبَةٌ.
والبَرَاجِم: هِيَ العُقَدُ الَّتِي تَكُونُ فِي ظُهور الأَصابع يَجْتَمع فِيهَا الوَسَخ، الْوَاحِدَةُ بُرْجُمَة (بِالضَّمِّ). (انظر لسان العرب: ١٢/ ٤٦).