الحديث العشرون
  أديمه، وتَعَرُّقِها صميمَه(١)، وإقحال الشمس بَضَّه(٢)، وإيناعها غَضَّه، فكم من نسر منحط، وعُقاب كاسر، فتجاذبوه بالمخالب والمناسر(٣) أَخْذَ الشديد المكاسر لمن عَدِمَ المعين والناصر، فإذا كانت هذه القضية في غير ذات الله تعالى؛ وكان مصير مَنْ هذه حاله بعد هذه الصفة إلى نار الله تعالى فأيَّة خسارة أعظم منها خسارة؟! أو تجارة أبور منها تجارة؟! ولا يَجْبُرُ هذا الرُّزْءَ المهم إلا أن تكون هذه العظيمة نازلةً في حق الله تعالى؛ إذ فيه الْخَلَفُ عن كل ماضٍ، والعِوضُ من كل فائت، وكلُّ عسير في جنبه يسير، وكل عظيم في حقه حقير، ومن لنا بأن نُقتل في حقه مِراراً، ويُمَثل بنا في ذاته أسفاراً، إذِ الأجر في ذلك لا تساويه الرغائب، ولا تنتهي إليه أمنية الطالب(٤)، وقد كان الصالحون يتمنون ذلك، ويَغْبَطون به.
  وفي الحديث: أن رسول الله ÷ لما قام على رأس عمِّه حمزة بن عبد المطلب ¥، وكانت هند وصواحبها قد مثلن به، فجدعن أنفه وأذنيه، وبقرن بطنه، قال: «والله لَوْلَا أنْ تَجْزَعَ صَفِيَّةُ - يعني أخته - لَأدَعَنَّهُ حَتَّى يَبْعَثهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنْ أَوْكَارِ الطُّيُورِ، وَوِجَارِ(٥) السِّبَاع» وهذا حالٌ ظاهرٌ في أهل هذا الشأن الراغبين فيما أعدَّ الرحمن، ألم تسمع إلى قول الطرِمَّاح بن حكيم الطائي(٦) في قصيدته الفائية يقول:
(١) تَعَرُّقُها: أَكْلُها لما بَقِيَ مِنَ اللَّحْمِ عَلَى الْعِظامِ، قال في النهاية (٣/ ٢٢٠): العَرْق بِالسُّكُونِ: العَظْم إِذَا أُخذ عَنْهُ مُعْظَم اللَّحْمِ ... يُقَالُ: عَرَقْتُ العَظْمَ، واعْتَرَقْتُه، وتَعَرَّقْتُه إِذَا أخَذْتَ عَنْهُ اللَّحْمَ بأسْنَانك. ا. هـ وقد مَرَّ.
والصَّميمُ: العَظْمُ الذي به قِوامُ العُضْوِ، وَهو مِنْ كُلِّ شَيءٍ خَالِصُه وَأَشَدُّه، (انظر القاموس المحيط: ١١٣٠)
(٢) رَجُلٌ بَضٌّ بالضاد المعجمة أي رقيق الجلد ممتلئ، تمت، هامش (أ) (انظر لسان العرب ٧/ ١١٩).
وأقْحَلَتْهُ الشَّمْسُ: أَيْبَسَتْه وامْتَصَّت طَراوته، قال في القاموس: قَحلَ، كمَنَع، قُحولاً، وكعَلِم، قَحْلاً، وقَحَلاً: يَبِسَ جِلْدُهُ على عَظْمِه، وقد تقدمت في حاشية سابقة في الحديث الذي قبل هذا.
(٣) المِنْسَر، بِكَسْرِ الْمِيمِ، لسِباع الطَّيْرِ بِمَنْزِلَةِ المِنقار لِغَيْرِهَا، (الصحاح للجوهري ٢/ ٨٢٧).
(٤) في الأصل: ولا ينتهي إلى أمنيته الطالب، وفي (أ): ولا تنتهي إلى أمنيته المطالب، والمثبت من نسخة أخرى.
(٥) الوِجَارُ: غار الضَّبُعِ ونحوها من السباع، تمت ضياء، هامش (أ) بفتح الواو وكسرها (انظر القاموس ٤٩١).
(٦) الأبيات ذكرها الإمام # في كتاب الشافي حيث ذكر أنها مما كان الإمام عبدالله بن موسى # يكثر إنشاده، وأفاد الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي # في حواشي الشافي أن البيت الثاني فيه إقواء وهو سائغ كثير عند العرب، ا. هـ. (انظر الشافي ط ٢: ج ١/ ٦٨٩).