حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث العشرون

صفحة 246 - الجزء 1

  من الأيام القديمة، والسطوات العميمة، فكيف ترجو أن تنال من الدنيا ما نالوا؟! وتؤول إلى حيث آلوا؟! هذا وإن نلنا مثل ذلك على بعده فهل ننجو من حالهم الذي حالوا عليه، ومنقلبهم الذي صاروا إليه، ولنذكر بعض صفة هذه الآثار البديعة، ففي ذكرها عَجَبٌ لِمُدَّكر، وعِبْرَةٌ لِمُعتبر.

  أما غمدان فهو قصر قصبة اليمن صنعاء، وكان من متقدمات الأبنية، ومفزعات المصنوعات، وقيل فيه أقوال كثيرة مشهورة، وقد كانت بَقِيتْ منه بقيةٌ إلى أيام عثمان، فأمر بهدمها وعمارة مسجد الجامع، وروي عن بعض العلماء أنه قال: لم يكن في الأرض بناء مثل غمدان.

  وأما ظفار وبينون فهما مدينتان من بلاد عنس عظيمتان جاهليتان، فيهما آثار هائلة، وكانت التبابعة تسكنهما، قال أسعد التبع:

  قَدْ دَعَتْنِي نَفْسِي لِأَنْ أَنْطَحَ الصِّيـ ... ـنَ بِخَيْلٍ أَقُودُها مِنْ ظَفار

  وهي التي فيها المثل: (لا يدخل ظفار إلا من حمَّر) أي نطق بلغة حمير، وذلك أن ملكاً من ملوك حمير قال لوافد إليه من العرب: ثِبْ، وثب بلغة حمير أقعد، فجمع الوافد ثيابه وقال: ليعلم الملك أني لا أعصيه، ورمى بنفسه من رأس القصر فهلك، فعجب الملك من ذلك، فقال له وزراؤه: إن معنى ثب بلغة هذا الرجل ما ترى. فقال الملك: لا يدخل ظفار إلَّا من حمَّر، أي نطق بالحميرية.

  وأما سلحين فهو قصر بلقيس ابنة الهَدْهاد صاحبة سليمان بن داود @، وكان مُتّخَذاً على الأساطين والأعمدة، وكان عجيباً رائعاً، فقال فيه علقمة بن ذي جَدَن:

  سَائِلْ بِسِلْحِينَ وَأَيَّامَها ... أَيَّانَ كانَ الْمُلْكُ في حِمْيَرِ

  وَاسْأَلْ بِبِلْقِيسَ وَبُنْيانَها ... وَعَرْشَها مِنْ ذَهَبٍ أَحْمَرِ

  وَاسْأَلْ بِقَوْمِي حِمْيَرٍ وَابْكِهِمْ ... مِنْ مَعْشَرٍ حَسْبُكَ مِنْ مَعْشَر

  وقال أسعد التبع يفتخر بولادة بلقيس إياه لأنها كانت من جداته فيما يقال، وذلك قوله:

  وَلَدَتني مِنَ الْمُلُوكِ مُلُوكٌ ... كلُّ قَيْلٍ مُتوَّجٍ صِنْدِيدِ

  ونِساءٌ مُتوَّجاتٌ كَبِلْقِي ... ـسَ وَشَمْسٍ ومِنْ لَمِيسَ جُدُودي


=

وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ

تُوورِثْنَ مِنْ أزْمَانِ يوْمِ حَليمةٍ ... إِلَى اليومِ قد جُرّبْنَ كلَّ التجارِب

وهي قصيدة طويلة مشهورة. تمت، هامش الأصل.