حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث العشرون

صفحة 248 - الجزء 1

  [وَلَا أَرَى فاعِلاً في النَّاسِ يُشْبِهُهُ] ... وَما أُحاشي مِنَ الْأَقْوامِ مِنْ أَحَدِ

  إِلَّا سُلَيْمانُ إِذْ قالَ الْإِلَهُ لَهُ ... قُمْ في الْبَرِيَّةِ فَاحدُدْها عَنِ الفَنَدِ

  وَخَيِّسِ الْجِنَّ إِنّي قَدْ أَذِنْتُ لَهُمْ ... يَبْنُونَ تَدْمُرَ بِالصُّفّاحِ وَالعُمد

  وحكي أن فيها من التماثيل والتصاوير والأنواع البديعة ما يستغرق الأفكار.

  وأما هرما مصر: فهما في الجانب الغربي من فُسطاط مصر⁣(⁣١)، وهما من عجائب بنيان العالم طول كل واحد منهما أربعمائة ذراع في سمك مثلها مسموكان بالصخور العظيمة.

  وأما إيوان كسرى: فهو قصر المدائن وهو قرارة ملك الأكاسرة، وهو دار ملكهم، وهو مما كان له في الأبنية شأن، وكان ذاهباً في السماء، هدمه المسلمون، ولما رجع ابن الأشعث من سجستان خالعاً لعبد الملك داعياً إلى نفسه تقدم بين يديه أعشى همدان وهو يقول:

  شطَّتْ نَوَى عَنْ دَارِهَا بِالْإِيوَانْ ... إِيوانِ كِسْرَى ذِي القِرَى والرَّيْحَانْ

  والكلام في هذا القبيل يطول، وإنما نذكر طرفاً مما يتعلق به الاعتبار لأهل القلوب السليمة، سبحان مَنْ كلُّ مُلْكٍ غير ملكه زائل، وكل سلطان ما خلا سلطانه باطل، فأي بسطة ترى أوسع من بسطتهم، أو سطوة أعظم من سطوتهم، فأصبحوا لا تَرَى إلَّا مساكنَهم.

  قوله #: أُزْعِجُوا مِنْهَا أَسْكَنَ مَا كَانُوا إِلَيْهَا، وَغَدَرَتْ بِهِمْ أَوْثَقَ مَا كَانُوا بِهَا.

  الإزعاج: هو الإخراج بعنف وشدة، والهاء في منها عائدة إلى الدنيا والمساكن على الحقيقة، وجائز أن يعود الضمير إلى السطوة والبسطة، وإن حُمل على الجميع فلا مانع؛ لأنهم قد أخرجوا عن جميع ذلك. والسكون والطمأنينة معناهما واحد، ومن كان في راحة سكن إليها، ومن كان في محنة تحرك منها، فهذا أصله. والغدر: هو فعل المكروه ممن لا يخشى منه ذلك. وقيل: إن الغدير أخذ من ذلك؛ لأنه مرة يكون فيه الماء، ومرة لا يكون فيه، فربما ترك الاستعداد بأخذ الماء ركنةً


(١) فُسْطاطُ مِصْرَ: هي المدينة التي بناها عمرو بن العاص عقب فتح مصر عام ٢٠ هـ - ٦٤١ م تقع على ضفة نهر النيل في طرفه الشمالي الشرقي، قبل القاهرة بحوالي ميلين، والفُسطاط: بَيتٌ من شَعَرٍ، وفُسْطاط المِصْرِ: مُجتَمَعُ أَهله حوْلَ جَامِعه، وهُوَ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ، وكلُّ مَدِينَةٍ فُسْطاطٌ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِمَدِينَةِ مِصر الَّتِي بَنَاهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: الفُسْطاط، (انظر لسان العرب: ٧/ ٣٧١).