الحديث العشرون
  عليه، فأتاه منه ما لم يظن فيه. أوثق ما كانوا مأخوذ من الوثاق، وأصله العَقْد الشديد، يقول: كأنهم وثقوا بدنياهم ومساكنهم وبسطتهم وسطوتهم فغدرت بهم، فكان الأمر بخلاف ما ظنوا.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أن مَنْ تقدم ذِكرهم من الذين كانوا قبلنا أُزعجوا من الدنيا المونقة في أعينهم، الشهية إلى قلوبهم، والمساكن العجيبة في أفكارهم، والأبنية العظيمة والبسطة الواسعة أسكن ما كانوا إليها، معناه أنهم أُخذوا بغتة، وهم سكون إلى ما هم فيه كما أُخِذ المغترون بالله تعالى، وغدرتْ بهم فعلتْ معهم فِعْل الغادر، وإن لم يكن ثَمَّ حقيقة غدر، أوثق ما كانوا بها؛ لأنهم أُخذوا بغتة، ولكن لما غفلوا عنها غفلةَ مَنْ كان على عهد وميثاق؛ ووقعت بهم وقعة الغادر المتمكن القوي الممعن، سمي ذلك غدراً مجازاً، وإلا فأيُّ وعظٍ أعظم من وعظها، أو تذكير أنفع من تذكيرها، أو تحذير أنجع من تحذيرها.
  قوله #: فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ قُوَّةُ عَشِيرَةٍ، وَلَا قُبِلَ مِنْهُمْ بَذْلُ فِدْيَةٍ.
  الإغناء: هو الكفاية، يقول قائلهم: أغناني هذا الأمر، أي كفاني. والقوة: هي الآلة والقدرة، هذا في الأصل، ويقال في الله تعالى قوي على معنى أنه القادر الذي لا يمتنع عليه شيء. والعشيرة: هم الأقارب من قبيلة الإنسان، وسموا عشيرةً لأن العِشرة وهي الألفة والمنافعة والمعاونة والمحاملة تقع بينهم في الأغلب، ومنهم الأقارب والأباعد، قال الله تعالى لنبيه #: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ٢١٤}[الشعراء] والأقارب هم الأعمام وبنوهم، فقيل أنه ÷ دعا بني هاشم فقرَّب لهم صاعاً من طعام وجنْبَ شاة، وهم ثمانية وأربعون رجلاً، فأكلوا من الطعام حتى شبعوا ومن اللحم حتى اكتفوا، وبقي كل شيء من ذلك بحاله، ثم ذهب النبي ÷ ليتكلم معهم فبدره أبو لهب لعنه الله فقال: يا بني هاشم؛ لو لم تعرفوا سحر ابن أخيكم إلا بما عاينتم من أمر الطعام لكان لكم كافياً، فأمسك النبي ÷ عن الكلام في تلك الحال وتفرقوا.
  وقيل: إن سعد العشيرة سمي سعدَ العشيرة لأنه كان يركب في ثلاثمائة من أولاده وأولاد أولاده، فإذا قيل له: من هؤلاء معك؟ قال: هم عشيرتي.