حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث العشرون

صفحة 250 - الجزء 1

  والقبول: نقيض الرد، والبذل نقيض المنع، والفدية هي ما يتخلص به الإنسان نفسه مما يقوم مقام نفسه من المال في بعض الوجوه، قال تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ١٠٧}⁣[الصافات] يقال: أفدى، وفدَّى، وفادى، فأما فادى: فأعطى رجلاً واحداً وأخذ رجلاً، وأما فدَّى: فأعطى مالاً وأخذ رجلاً، وأما أفدى: فأخذ مالاً وأعطى رجلاً.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أن قوة العشيرة لا تغني عن المرتكبين الآثام، ولا تدفع عن المنهمكين في عظائم الإجرام، ولا تصرف عنهم سطوة ذي الجلال والإكرام، وكيف تغني عن عذابه قوة العشيرة، وكل قوي في جنبه ضعيف، وكل عزيز ذليل، وكل قادر عاجز، قد قال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ٩٣ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا ٩٤ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ٩٥}⁣[مريم] السماوات السبع التي ورد السمع بصحتها، وعاينَّا التي تلينا منها بأبصارنا، والأرض هي هذه المدحوَّة، الآتي هو الواصل، والرحمن هو الرب سبحانه المتناهي في الرحمة لعباده وخلقه، ولا يجوز إطلاق الرحمن على سواه. والعبد: هو الذليل، أخذ من التعبيد وهو التذليل. والإحصاء: هو الاستيعاب والإحاطة. والعدُّ هو إضافة الشيء إلى الشيء، وتضعيفه به حتى يكون عقوداً إلى مبلغ إرادة العادِّ وهو معروف، وعدّاً تأكيدًا للعدِّ بلفظه. ويوم القيامة: هو يوم البعث، سمي قيامةً لقيام الناس فيه من الأجداث. والفرد الذي لا ثاني معه.

  والمعنى في هذه الآيات: أن الله تعالى عمَّ أهل السماوات وهم الملائكة الكرام عليهم أفضل السلام وأهل الأرض وهم الجن والإنس، وهذا دليل على أن محل الجن الأرض لدلالة النص على منعهم من وصول السماء كما قال تعالى حاكياً عنهم: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ٨}⁣[الجن] فمُنعوا عن الاستماع من مقاعدها فضلاً عن الإقامة فيها، وقد ذكر أن كل المتعبدين يأتون إلى الله تعالى يوم القيامة، ولم يذكر إلا أهل السماء والأرض، ولا خلاف بين أهل التصديق أنهم يأتون - أعني الجن - يوم القيامة مع الآتين، ثم وصفهم بأنهم يأتون يوم القيامة في حال الخضوع والاعتراف بالعبودية والرق لما يرون من عظيم القدرة ووضوح الحال في معرفة الخالق تعالى، الذي لا تتناهى له جلالة، فخص القيامة لأنهم يأتونه تعالى