حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الحادي والعشرون

صفحة 258 - الجزء 1

  والكاف في نفسك عائد إلى المخاطب، والمساء عندهم أول الليل، قال النابغة:

  وَقَفْنا بِصَحْرَاءِ الغُوَيرِ تَلُفُّنا ... شَمَالٌ نَكَادُ مِنْ ضلَالَتِها نُمْسِي

  يعني رياحاً أظلم لها الأفق فكادوا يدخلون في المساء، وهو أول الليل.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أمر أن يكون المرءُ متوقعاً للموت مترقباً للفوت صباحاً ومساءً، فلا يخلد إلى الدنيا، ولا يسكن إلى لذتها التي تفنى، إذا أصبح قال: أموت في نهاري هذا، ولكن ما أعددتُ للموت من الأعمال، وما يخلِّصني من عهدة السؤال بين يدي ذي الجلال، ذنوبٌ محصاة حاضرة، وتركاتٌ مقصاة نافرة، لا يدخلون معي ضَنْكَ المدخل، ولا يُعَدُّون لي في صالح العمل، فليتني أُقدِّم الأهل والمال أمامي لينفعني عند حصول حِمامي.

  هذا وكم قد رأينا من مصبحٍ لم يُمْسِ، ومُمْسٍ لم يصبح، وهل حصاد الناس إلا في هذين الوقتين، وفيما بينهما؟! وهل بالمستبصرين غِرَّة؟! وهل أهْلَكَ الناسَ رحمك الله إلا طولُ الأمل والتسويف، وقلة استشعار الخوف والحزم من التَّحريف، حتى قست القلوب فهي كالحجارة صلابة، فغفلوا عن التوبة والإنابة.

  قال رسول الله ÷: «إِنَّهُ مَنْ يَأْمُلُ أنْ يَعِيشَ غَداً فَإِنَّهُ يَأْمُلُ أنْ يَعِيشَ أَبَداً، وَمَنْ يَأْمُلُ أَنْ يَعِيشَ أَبَداً يَقْسُو قَلْبُه» وصدق ÷.

  قوله #: وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِسَقَمِكَ.

  الصحة هاهنا نقيض السَّقَم، وأصلُ الصحة البراءة من الآفات، والسلامة من العاهات، يقال: صَحَّ الحديث، وإسنادٌ صحيحٌ، وصحصحٌ وصحصحان بالزيادة تضعيف: للمستوي من الأرض البريء من الخَبَار⁣(⁣١) والشقوق والأخاديد، وهي ألفاظ متقاربة معناها واحد. والسقيم يناقض الصحيح في لفظه ومعناه، وهو الذي أصابته الآفات والعوارض، فإذا أضيف السقم إلى الحديث أفاد الكذب والاختلال، وإذا أضيف إلى الجسد فمعناه الضعف والاعتلال، قال تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ ٨٨ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ٨٩}⁣[الصافات] معناه ذو آفة عارضة، فانفروا عني


(١) قال في هامش (أ): الخَبَارُ: هو الشَّجَرُ الصِّغارُ والْحُفَرُ الْغَامِضَةُ، تمت من خط المنصور بالله المصنف # ... قال في لسان العرب (٤/ ٢٢٨): الخَبارُ مِنَ الأَرض: مَا لانَ واسْتَرخَى وَكَانَتْ فِيهِ جِحَرَةٌ. والخَبارُ: الجَراثيم وجِحَرَةُ الجُرْذانِ، وَاحِدَتُهُ خَبارَةٌ. وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ تَجَنَّبَ الخَبَارَ أَمِنَ العِثارَ، ... والمُخابَرَةُ: الْمُزَارَعَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الأَرض، وَهُوَ الخِبْرُ أَيضاً، بِالْكَسْرِ. ا. هـ.