حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الحادي والعشرون

صفحة 259 - الجزء 1

  لئلَّا يصيبكم ما أصابني، مكيدةً منه # ليدرك في أصنامهم ما رام من التقطيع والاخترام، وكانوا ينفرون من أهل الآفات خيفة العَدْوى، فأوهمهم # أنه عليل الجسد، وهو مضمر #: عليل القلب غيظاً عليكم، واستعظاماً لجهالتكم⁣(⁣١)، فأدرك ما أراد.

  المَعْنَى: أنه أمر # أن يأخذ الإنسان من الصحة للسقم، يقال: أخذ له منه إذا وَفَّى حقَّه، وحقُّ الصحة الاستعمالُ للجوارح في طاعة الله سبحانه، وجعل الحق للسقم لأنه ثاني حالتي الإنسان التي إحداهما الصحة، ولا بد من تعقب السقم لها، ولا بد من تعقب السام لها إما بمبادرةٍ من الحِمام والألم، وإما بالإنهاء إلى ضعف الهرم الذي هو أسْقَمُ السَّقَمِ، وآلم أنواع الألم، قال الشاعر⁣(⁣٢):

  أرَى بَصَرِي قَدْ رابَني بَعْدَ صِحَّةٍ ... وحَسْبُكَ داءً أنْ تَعِيشَ وتَسْقَمَا

  وفي رواية أخرى: وتسْلَمَا.

  وقال الحكيم: كفى بالسلامة داء. فحق السقم عليك أن يأتي وقد رممتَ من العمل ما يجبر نقْصَه، ويسد خُصَّه⁣(⁣٣)، ويشعر حَصَّه⁣(⁣٤)، فينقلب الحَويل حالاً، والمويل مالاً⁣(⁣٥)، والغُلّة بِلَالاً⁣(⁣٦)، والضِّحُّ⁣(⁣٧) ظِلالاً، وأما من استفرغ صحته في تناول اللذات، ولم يحترز من هجوم الصباح والبيات حتى يُلِمَّ به السقم الْمُقْعِد عن الحركات فإنه قد أوبق نفسه من الخيرات، فيا أيها الصحيح ما يؤمنك من السقم الذي يمنعك من صالح الأعمال، ويوردك شرائع


(١) كذا في الأصل و (أ) بضمير المخاطب، وفي بقية النسخ: غيظا عليهم، واستعظاما لجهالتهم.

(٢) هو حُمَيْد بن ثَوْر، وقد تقدمت ترجمت في الحديث الثامن عشر، لنفس البيت.

(٣) الْخُصُّ: بَيْت يُعْمَل مِنَ الْخَشَبِ والقَصَب، وَجَمْعُهُ خِصَاصٌ، وأَخْصَاصٌ، سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخِصَاصِ وَهِيَ الفُرَج والأنْقاب، (النهاية في غريب الحديث والأثر ٢/ ٣٧).

(٤) الحَصُّ: إذْهاب الشَّعَر عَنِ الرَّأْسِ بحَلْقٍ أَوْ مَرضٍ، (النهاية في غريب الحديث والأثر ١/ ٣٩٦).

(٥) الحَويل: الشيء الذي تحاول إيجاده وتريده وتؤمله، قال في الصحاح (٤/ ١٦٨١): حاوَلْتُ الشيءَ، أي أردته. والاسم الحَويل، ا. هـ. والمُويل: هو تصغير المال، (انظر الصحاح ٥/ ١٨٢١).

(٦) الغُلَّة: شِدَّةُ الْعَطَشِ وَحَرَارَتُهُ، ا. هـ (لسان: ١١/ ٤٩٩) والبِلال: جَمْعُ بَلَل، وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَا بَلَّ الحَلْقَ مِنْ مَاءٍ أَو لَبَنٍ أَو غَيْرِهِ. (لسان: ١١/ ٦٤).

(٧) الضِّحُّ: الشَّمْسُ، وَقِيلَ: هُوَ ضَوْؤُهَا، (لسان: ٢/ ٥٢٤).