حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الحادي والعشرون

صفحة 260 - الجزء 1

  الوبال⁣(⁣١)، النجاء النجاء⁣(⁣٢) قبل انقطاع الرجاء، وإياك أن تظلم لصحتك سقمك فتزِلَّ من حالِقٍ⁣(⁣٣) قدمُك.

  قوله #: وَمِنْ شَبَابِكَ لِهَرَمِكَ.

  الشباب هو حال الزيادة، والتنقل في أحوال الغضارة، وريْعان⁣(⁣٤) النضارة، وأصله الزيادة، وهي حالة يطمع الشيطان فيها بغِرَّة الإنسان، قال الشاعر⁣(⁣٥):

  إِنَّ شَرْخَ الشَّبابِ والشَّعرَ الأسْـ ... ـوَدَ مَا لَمْ يُعاصَ كان جُنونَا

  والهَرَم نهاية العمر، وغاية الشيء، وتناهي النقصان، وهو داءٌ لا دواء له، كما في الحديث عن النبي ÷: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ إلَّا السَّامَ وَالْهَرَمَ». السام: الموت، والهرم أحسب أنَّ أصله مأخوذٌ من الهَرْمِ، وهو شجر ضعيف إذا خبطَتْهُ الإبل بأخفافها انحطم بلا طائل اعتماد، واحدته هَرْمَة، ومنه سمي الرجل هَرْمَة كما يقال طلحة، وسلمة.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: على نحو ما تقدم أنه يجب على العاقل أن يأخذ من شبيبته حقها لهرمه، وذلك أنه في حال الشبيبة متمكن من أعمال البر والتصرف في الطاعات، وثوابه يضاعف؛ لأن الشباب مَظِنّةٌ للمعصية⁣(⁣٦) والخطيئة، قال الشاعر:

  [فإِنْ يكُ عامِرٌ قَدْ قالَ جَهْلاً] ... فإنَّ مَظِنَّةَ الْجَهْلِ الشَّبابُ⁣(⁣٧)


(١) الشَّرَائِعُ: الْمَوَاضِعُ الَّتِي تُورَدُ، الْوَاحِدَةُ شَرِيعَةٌ، وَكَذَلِكَ الْمَشْرَبَةُ. ا. هـ. والْوَبَالُ: فِي الأصْل: الثِّقَلُ والمكْرُوه. وَيُرِيدُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ، (النهاية ٥/ ١٤٦)

(٢) نَجَت النَّاقَةُ نجاً ونجاءً، بالمد والقصر، أي أسرعت، تمت ضياء، هامش (أ).

(٣) الحَالِقُ: الْجَبَلُ الْمُرْتَفِعُ، تمت، هامش (أ) (انظر القاموس المحيط: ٨٧٦).

(٤) الرَّيْعَانُ: مِنْ كُلِّ شَيءٍ: أوَّلُهُ وأفْضَلُهُ. (القاموس المحيط: ٧٢٤)

(٥) البيت لحسان بن ثابت، وهو حسان بن ثابت الأنصاري الخزرجي، من فحول الشعراء في الجاهلية والإسلام ... روى عنه: عمر، وأبو هريرة، وعائشة ... مات قبل الأربعين في خلافة علي #، وقيل: سنة خمس وأربعين وله مائة وعشرون سنة؛ وكان عثمانياً. (لوامع الأنوار للإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد المؤيدي # - ط ٣ - ج ٣/ ١١٨).

(٦) في الأصل: مَظِنّةُ الْمَعْصِيَةِ.

(٧) البيت للنابغة، والشطر الأول للبيت من صحاح الجوهري (٦/ ٢١٦٠).