الحديث الثاني والعشرون
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنَّ من حاسب نفسه قبل محاسبة ربه نجا مع الناجين، وفاز مع الفائزين؛ لأنه إذا حاسب نفسه زاد في الحسنات، ونقَّص من السيئات، وأشعر نفسَه خوف العدل، فأعدَّ جلباب الإنصاف، فأوفى ما عليه لربه، وخَلُص من عُهْدة ما لزمه لخالقه، فجاءه المحاسبون من عند بارئه، وقد أتقن أمره، وشرح اليقينُ صدرَه، فنطق جريّاً، فكان بالنجاة حريّاً، وإن غفل عن محاسبة نفسه قبل يوم الحساب تقطعت به الأسباب، وعوجل بالعذاب، لأنه قام مقام العدل والفصل بغير أُهْبَة، فنَشِبَت فيه مخالب الحقِّ لا محالة.
  قوله #: وَمَهِّدُوا لَهَا قَبْلَ أَنْ تُعَذَّبُوا.
  التمهيد: أصله التوطئة، ومنه أخذ مهد المولود، والمهاد ما يفرش للنائم، ولا يُنام في الأغلب إلا على ما لَانَ وتوطّأ، والهاء في (لها) عائدة على الأنفس. والعذاب هو الألم والاستخفاف، احترازاً من الامتحان والتأديب، وهو مأخوذ من العذبة وهي الحد، وكان أكثر ما يوصِلون الألم به بضرب السيف، والسنان، والسوط، وما شاكل ذلك سُمي الفعل بآلته عذاباً.
  المَعْنَى: في هذا أنه # أمر أن نمَهِّد لأنفسنا قبل الاضطجاع لنكون قد عَمِلْنا فيها بالحزم والاصطناع، فلم نضع جنوبنا إلا على وثير، واحترزنا من كل صغير وكبير، فإن القليل على المهاد يؤذيك، واليسير يقذيك.
  في الرواية أن عبد الله بن الحسن بن الحسن # وكان قدوة، روي أن مالك بن أنس سئل عن السدل(١)، قال: فقال قد رأينا من يُعتمَدُ على فعله يفعله؛ يعني عبد الله بن الحسن، وقيل: إنه # جمع خصال الكمال، فكان إذا قيل: مَن أصبح الناس؟ قيل: عبد الله بن الحسن. مَن أكرم الناس؟ قيل: عبد الله بن الحسن. مَن أعبد الناس؟ قيل: عبد الله بن الحسن.
  مَن أفضل الناس؟ قيل: عبد الله بن الحسن. وكان كبار الناس وجُلَّتهم لا يعدلون به من أهل بيته أحداً، وفقهاء الناس وعبادهم لا يعدلون بزيد بن علي من أهل بيت النبي أحداً ...
(١) السَّدْلُ: الْتِحافُ الثَّوْبِ وَإِرْخاؤُه مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ، تمت، هامش (أ).