الحديث الثاني والعشرون
  قال: دخلت ذات يوم مع المخاطبين، وهو في سجن أبي جعفر قال الراوي: فدخلنا عليه، وعند رأسه بِدادٌ، وعند رجليه بِدادٌ، وهو على مِسْحٍ(١)، فقال: والله لقد كنتُ أنام في بيت هند بنت أبي عبيدة(٢) - يعني امرأته - على حشيَّة الريش، فتكون عليها القذاة فلا تنام عيني، فلأنا على هذه الحال أكثر نوماً، فإذا كانت القذاة على المهاد تُسهِرُ مَنْ هذه صفته في الصلاح، فكيف تنام عينٌ على كبائر الذنوب التي تكون جمراً كباراً، وشرراً وناراً، وكلاليب حديد معكفة، وشفاراً مسممَّة مصففة، تُمشَقُ بها أجسادهم مشقاً، وتُعْرَق بها لحومهم من عظامهم عَرْقاً(٣)، فويلُ مَن وقع عليها جنبه، وسيق إليها سَربه(٤).
  قوله #: وَتَزَوَّدُوا لِلرَّحِيلِ قَبْلَ أَنْ تُزْعَجُوا.
  قد تقدم تفسير الزاد، وهو ما يأخذه المسافر في طريقه. الرحيلُ هو المسير، وكان في الأصل لا يسافر الإنسان حتى يُرحِل متاعَه ونفسَه في الأغلب على الراحلة، فلما كثر استعماله أفاد الانتقال من مكان إلى مكان، وإن عَدِمَ الزاد والراحلة، قال الشاعر:
  وقدْ يُرْزَقُ الرِّزقَ الْمُقِيمُ بِأَهْلِهِ ... وَلَمْ يَرْتَحِلْ رَحْلاً وَلَا شَدَّ أنْسُعا
  وَيُحْرَمُهُ مَنْ لَا تَزالُ رِكَابُهُ ... عَلَى عَجَلٍ يَهْوينَ في الْبِيدِ ضُلَّعا
  وقال الشَّمَرْدَلُ بْنُ شَرِيكٍ الثَّعْلَبِي(٥):
(١) البِدَادَان: لِبْدَانِ يُشَدّان على الدَّابَّةِ يَقِيان مِن القَتَب والسَّرْج، تمت ضياء، هامش (أ). قال في لسان العرب (٣/ ٣٨٦): اللِّبْدُ هو كُلُّ شَعَرٍ أَو صُوفٍ مُلْتَبدٍ بَعْضُه عَلَى بَعْضٍ، ا. هـ.
والمِسْحُ: الْكِسَاءُ مِنَ الشَّعَر، (انظر لسان العرب ٢/ ٥٩٦).
(٢) هي: هِنْدُ بِنْتُ أَبِي عُبيدة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعة بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالعزَّى بْنِ قُصَيّ، وهي أمُّ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ الإمام محمد بن عبدالله وَأُمُّ إِخْوَتِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَزَيْنَبَ وَفَاطِمَةَ $، (ذكر نسبها الإمام عبدالله بن حمزة # في شرح الحديث الأربعين).
(٣) عَرَقْتُ العَظْمَ وتَعَرَّقْتُه إِذا أَخذتَ اللَّحْمَ عَنْهُ بأَسنانك نَهْشاً، (لسان العرب ١٠/ ٢٤٤) وقد مر.
(٤) السَّرْب: هنا بمعنى النَّفْس، وقد مرت في شرح الإمام للحديث السابع عشر.
(٥) الثعلبي اليربوعي (٠٠٠ - نحو ٨٠ هـ) الشمردل بن شريك بن عبد الملك، من بني ثعلبة بن يربوع، من تميم، ويقال له: (ابن الخريطة): شاعر هجاء، يجيد القصيد والرجز، وهو صاحب الأبيات التي أولها:
يا أيها المبتغي شتمي، لأشتمه ... إن كنت أعمى فإني عنك غير عم
والشعراء المعروفون باسم (الشمردل) خمسة، هذا أشهرهم، (انظر الأعلام للزركلي ٣/ ١٧٦).