الحديث الثاني والعشرون
  رَحَلَ الْخَلِيطُ فَأَدْلَجُوا بِسَوادِ ... وَأجَدَّ بَيْنَهُمُ عَلَى مِيعَاد
  والإزعاج هو الإخراج بكرهٍ وشدة، لا يكون إلا كذلك، وأصل الزَّعْج الجذْب الشديد.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أمرنا أن نتزود للرحيل قبل أن نخرج من الدنيا كَرْهاً، ولابد من الخروج، ونعوذ بالله من أن نخرج كارهين، وأن نسكن إلى الدنيا سكون الفارهين، وإنما الزاد لسفر الآخرة هو التقوى الخالصة من الشوائب، المقصود بها الله سبحانه من كل جانب، فإنَّ كلَّ زادٍ سواها لا يَسُدُّ خَلَّة(١)، ولا يَشْفِي غُلَّة(٢)، وقد قال الحكيم سبحانه: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[البقرة: ١٩٧] فأمر بالتزوُّد ودَلَّ على الزاد ما هو، فإذا كان وقت الانزعاج، وقد ملأنا مزاودنا زاداً؛ وجمعنا لسفرنا عتاداً؛ لم نكترث بالإزعاج، وقلنا وجهك أيها المزعج وما شئت من الفجاج، وقد تأهبنا للتأويب والإدلاج(٣)، فخرجنا محبورين، وانقلبنا إلى أهلنا في الآخرة مسرورين، فيا لها مِنَّةً ما أجلّها، ونعمة ما أظلها.
  وإن غفلنا عن التزوُّد للرحيل؛ وأتانا المزعج والدليل؛ ضاقت علينا الأرض برحبها، وبَعُدَ المجتاز من قربها، وسألنا الإمهال فلا إمهال، فنعوذ بالله أن نكون من أولئك، فنخرج بغير عُدَّة، فينهكنا القَوَاءُ والشدة، والخواء والوقْدة(٤)، وما بعد ذلك أدهى وأمر.
  قوله #: فَإِنَّمَا هُوَ مَوْقِفُ عَدْلٍ، وَاقْتِضَاءُ حَقٍّ، وَسُؤَالٌ عَنْ وَاجِبٍ.
  الموقف: هو الذي يقف فيه الناس، والوقوف هو السكون، فلما كان مَنْ وَصَلَهُ سكن من حركة السير سُمي موقفاً. والعدل: هو إيفاء الحق واستيفاؤه. والسؤال نقيض الجواب. والواجب الواقع اللازم.
(١) الخَلَّةُ: الحاجَةُ والفَقْرُ والخَصاصَةُ ... والخَلَّةُ أيضًا: الخَصْلَةُ، والجمع: خِلالٌ. (القاموس: ٩٤٤).
(٢) الغُلَّة: هي شِدَّةُ الْعَطَشِ. (القاموس المحيط: ١٠٣٩).
(٣) التَّأْويبُ: السَّيْرُ جميعَ النهارِ، ادَّلج: إذا سار من آخر الليل، وأدْلج إذا سار من أول الليل، وفي الحديث: «مَنْ خَافَ الْبَيَاتَ أدْلَجَ» تمت، ضياء، هامش (أ). انظر كلام الإمام # في شرح الحديث السابع عن الإدلاج. (وانظر القاموس المحيط: ٦٠).
(٤) القَوَاءُ: هِيَ الأَرْضُ القَفْرُ الْخَالِيَةُ. والْخَواءُ: خَلَاءُ الْبَطْنِ، أي الْجُوع. والْوَقْدَةُ: أشدُّ الحرّ، قاموس.