حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الثاني والعشرون

صفحة 270 - الجزء 1

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # بيَّن أن الموقف الذي يُنتهى إليه موقف عدل، لا جَوْرَ فيه ولا ظلم، فلنحفظ نفوسنا عن تبعات الحياة، وأعمال البغاة، واستحقاب الذنوب، واستظهار الحُوب، وليكن الحق الذي علينا لربنا ناجزاً؛ إن سُئلنا عنه أبرزناه، وإن طُولبنا به أنجزناه، فلا يجد إلينا العدل سبحانه - والحال هذه - طريقاً، ونقضي ما علينا له من الحق على أوفاه؛ لنفوز برضاه، ونردَّ الجواب عن السؤال عن الواجب بأنا قد أوفيناه، فننجو مع النُّجَاة.

  وقوله #: وَلَقَدْ أَبْلَغَ فِي الإِعْذَارِ مَنْ تَقَدَّمَ بِالْإِنْذَار.

  أبلغ وبالغ إذا انتهى إلى الغاية، وأصل البلاغ الانتهاء والوصول. والإعذار ما يصير به الإنسان معذوراً، وهو استفراغ الجهد والنصيحة، يقال: أعذر إليه إذا نصحه، وعذر إذا أوهم النصيحة من غير حقيقة. والتقدم هو السبق. والإنذار الإشعار بهجوم الخوف والمخوف، فلا يقف له إلا من نبذ الإنذار، ووطَّن نفسه على ترك الفرار.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # بيَّن أن الحجة قد انتهى وجوبها بإيصال الإنذار إلينا، والفريضة قد سقطت منه ووجبت علينا، وأنه قد أعذر إلينا بتبيين الدلالة، ونفى بتقديم الإنذار ظن الجهالة، فصار المأخوذ منا غير مغرور، والمعاقب غير معذور، وقد أمَرَنا النصيح العارف المشفق بتحصيل الزاد فما ائتَمَرْنا، وزَجَرَنا عن الاغترار والغفلة فما ازْدَجَرْنا، وحذَّرَنا مُواقعة المخوف فما حَذِرْنا، وتقدم بالإنذار فما نذرنا، فهل بقيتْ عليه لنا حجة نُدْلِي بها، أو علة نعتمد عليها، هَلَكَ الهالكون عن بَيِّنَة، وأُوقِظ النائمون عن النوم والسِّنَة، فنسأل الله تعالى توفيقاً يأخذ قلوبنا بأزمتها إلى ما يريد، ويُقَرِّب لنا من طاعته كل بعيد، ويُهَوِّن كل شديد، والصلاة على محمد وآله.