الحديث الرابع والعشرون
الحديث الرابع والعشرون
  عَنْ(١) أَبَيْ هُرَيْرَةَ، وقد تقدم الكلام في نسبه، وذكر طرف من حاله، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «إِيَّاكُمْ وَفُضُولَ الْمَطْعَمِ، فَإِنَّهَا تَسِمُ الْقَلْبَ بِالْقَسْوَةِ، وَتُبْطِئُ بِالْجَوَارِحِ عَنِ الطَّاعَةِ، وَتُصِمُّ الْهِمَمَ عَنْ سَمَاعِ الْمَوْعِظَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَفُضُولَ النَّظَرِ فَإِنَّهُ يَبْذُرُ الْهَوَى، وَيُوَلِّدُ الْغَفْلَةَ، وَإِيَّاكُمْ وَاسْتِشْعَارَ الطَّمَعِ فَإِنَّهُ يُشْرِبُ الْقَلْبَ شِدَّةَ الْحِرْصِ، وَيَخْتِمُ عَلَى الْقُلُوبِ بِطَابِعِ حُبِّ الدُّنْيَا، وَهُوَ مِفْتَاحُ كُلِّ سَيِّئَةٍ، وَسَبَبُ إِحْبَاطِ كُلِّ حَسَنَةٍ».
  الفُضُول: هي الزوائد، وسُميت درعُ رسول الله ÷ ذاتَ الفُضُول لأنها كانت واسعةً جُهْدَها. المطعم: ما يتطعّمه الإنسان، وهو المأكول والمشروب. والوسْمُ: أصله علامةٌ بالْمِيسَم، تُجْعَل في الأنعام تُميَّز بها الأملاك. والقلب معروف، وهو محل العقل ومنبع الروح. والقسوة: هي الصلابة والشدة. والإبطاء نقيض الإسراع. والجوارح هي الآلات، وقد تقدم الكلام في معناها(٢). والطاعة نقيض المعصية. والصَّمَمُ: آفة تمنع آلة السمع من الإدراك، وأصله الختم والصلابة، يقال حجر أصم، أي صليب. والهِمَمُ: جمع هِمَّة، وهذا اللفظ استعارة؛ إذْ الهمم مما لا يَسْمَع فيقال صَمَّ. والسماع إدراك المسموع، وقد يُجعل المسموعَ نفسَه للمبالغة، قال الشاعر:
  وسَماعٍ يَأْذَنُ الشَّيْخُ لَهُ ... هَزِجٍ يَكْسِرُ غُضْرُوفَ الْأُذُنْ(٣)
(١) قال السيد الشريف: وحدثنا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري قال حدثنا نصر بن عبد الملك قال حدثني زيد بن يحيى الهروي قال حدثنا عمرو بن جرير البجلي قال حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ... الحديث.
(٢) تقدمت خلال شرح الحديث الثالث والعشرين عند شرح قوله: «وَلَا تَسْتَعْمِلُوا جَوَارِحَ غُذِّيَتْ ... الخ».
(٣) قال في هامش الأصل: السَّمَاعُ: الْغِناءُ، ومَعْنَى يَأْذَنُ: يُصْغِي لَهُ أُذُنَيْهِ، وَذَكَرَ الشَّيْخَ لأنَّ الشَّيْخَ قَلِيلُ الرَّغْبَةِ لِسَمَاعِ الغِناءِ، وَالْهَزَجُ شَدِيدُ الصَّوْت، وَيُقَالُ: أُذْنٌ، وأُذُنٌ، تمت.
والبيت لعدي بن زيد العبادي، ورد في الصحاح واللسان وفي مقاييس اللغة وغيرها، بلفظ:
وسَماعٍ يَأْذَنُ الشَيْخُ لَهُ ... وَحَدِيثٍ مِثْلِ ماذِيٍّ مُشَارْ
والْماذِيُّ: الْعَسَلُ الْأبْيَضُ، وَالمُشَارُ: مِنْ أَشَرْتُ العَسَلَ إذا جَنَيْتهُ. (انظر لسان العرب ٤/ ٤٣٤).