[الفضيل بن عياض وقصة توبته]
  وقال آخر:
  جِنِّيَّةٌ وَلَها جِنٌّ تُعَلِّمُها ... رَمْيَ الْقُلُوبِ بِقَوْسٍ ما لَها وَتَرُ
  لَمَّا رَمَتْ مُقْلَتِي قَالَتْ لِجارَتِها ... إنِّي قَتَلْتُ قَتِيلاً ما لَهُ خَطَرُ
  قتَلْتُ شاعِرَ هَذا الْحَيِّ مِنْ مُضَرٍ ... وَاللهِ لَا رَضِيَتْ مِنِّي بِذا مُضَرُ
  فقد رأيت كيف جعل النظر سهاماً، وجعله قاتلاً لولا بلوغه في هذا الأمر، فإذا علمت نزوله في هذه المنزلة لزمك الاحتراز منه لكونه مؤدِّياً إلى التلف العاجل والآجل، ولولا أنَّا في معرض الاختصار لَسَرَدْنا لك في هذا الشأن طرفاً من الأخبار والآثار التي تعرفك أنَّ أصل كثيرٍ من الفتنة ما كان إلا النظر، فأيُّ بَذْرٍ للهوى أعظم منه؟! إنما هو بذر لا يُخْلِف في مجرى العادة، بل يَهيج ويَكْثُر شطؤه، ويقوم على سوقه، ويخرج سُنْبُل الشهوة يانعاً متراكباً، فلا يمكن كتمانه، ولا يندحر شيطانه إلا بذكر المعاد، والوقوف بين يدي الملك الأكبر، وبَهْتَةِ السؤال، وأقربُ من ذلك منالاً وأوضح مثالاً أنَّه إذا علم أنَّ الله سبحانه يراه وينظر إليه في جميع حالاته فلا تَسْتُرُه منه الحُجُب، ولا تمنعه من رؤيته الظلمات والأستار، في ليل ولا نهار، فأي قلب يتعمَّد به مجاهرته بالعصيان والحال هذه؟! فيا أقَلَّ الخلق حياءً وحِشمة، وأقصرهم في الخير هِمَّة، ما قولك لو أنَّ عبدك الذي اشتريت بمالك، وصَرَفْتَهُ في أضعف أشغالك، قام على رأسك أنت تجترئ على مشافهته بشيء من القبائح، أو تجابهه بشيء من الفواحش؟! فما ظنك بملك الملوك، وجبّار الجبابرة، الذي كلُّ كبير إلى جنبه صغير، وهو مع ذلك الذي خلقك وخلق لك، وخوَّلك وموَّلك، وأغناك وأقناك، وعافاك وأحياك، وحاجتك إليه في كل وقت متجدِّدة، وقد علمتَ أنَّ فِعْلَك يُغضبه، فخذ في هذا الشأن، أو دَعْ؛ عصمنا الله بأوثق العِصَم، ووفَّقنا لحفظ النفوس من مورثات الندم.
  وأما توليده الغفلة؛ فأيُّ غفلة أعظم من هذا! ينسى الإنسان نفسه، وينسى ربه، وينسى رحمته، وينسى قدرته عليه، وينسى عقوبته، وينسى نعمته لمن أطاعه، وهذه أمور كبار، وخطوب عظام، لا ينساها إلا أغفل الغافلين، وأجهل الجاهلين.