[الفضيل بن عياض وقصة توبته]
  قوله #: وَإِيَّاكُمْ وَاسْتِشْعَارَ الطَّمَعِ فَإِنَّهُ يُشْرِبُ الْقَلْبَ شِدَّةَ الْحِرْصِ، وَيَخْتِمُ عَلَى الْقُلُوبِ بِطَابِعِ حُبِّ الدُّنْيَا.
  الاستشعار: هو أن تجعل ثوباً يلي جسدك يُسمونه الشِّعارَ، والدِّثارُ فوقه، وفي الرواية أنَّ مروان قال لمعاوية: جعلتَ عمرو ابن العاص الشِّعار دون الدِّثار!. قال له معاوية: فأنت نفسي دون الشعار، وسُمي شعاراً لأنه يُصالي شعر الجسد. والطمع: هو حرص متجاوز، وطماعة في النفس، وقد قال رسول الله ÷: «بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ لَهُ طَمَعٌ يُضِلُّه» وقال الشاعر:
  طَمِعْتُ بِلَيْلَى أَنْ تَرِيعَ وَإِنَّما ... تُقَطِّعُ أَعْنَاقَ الرِّجالِ الْمَطامِعُ
  والإشراب: هو السقْيُ، وشدة الحرص زيادته وفورانه. الحرص: المبالغة في الطلب، وهو من الأدلة على الطمع. والختم: معروف، وأصله الخاتم، وذلك أنَّ المال إذا تُرِك في الكيس؛ أو الكتاب تُرِك عليه الشمع؛ وطَبَعَ الْمَلِكُ أو غيره بخاتمه على ذلك علامةً لحفظه، ومَنْعاً من فَضِّه، وكان لحب الدنيا خاتماً مخصوصاً يَعْرفه الجبار سبحانه، ومن عَرَّفَه من ملائكته، فإذا وضحت تلك العلامة للملائكة علموا أن ذلك المطبوع على قلبه قد صار من أحباب الدنيا الهالكين. والطابع: هو الشيء الذي يؤثِّر في غيره أثراً بائناً، ومنه سمي طابع الدرهم والدينار لما كان يؤثر فيهما.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # نهى عن أن يُجعل الطمع شعاراً، وبيَّن أنَّ الشعار يؤدي إلى ما ذكر النبي المختار صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ الْأَخْيار، وأنه يُشْرِبُ القلب شدَّة الحرص، وشدَّةُ الحرص إذا أُشْرِبَها قلبُ العبد كانت أكبر شاغلٍ له عن عمل الآخرة، لأنه لا ينتهي إلى مطلب في الدنيا إلَّا ولاح لعينه آخر حتى يوافيه الموت، فيخسر الدنيا والآخرة {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ١١}.
  والختم على القلوب بطابع حب الدنيا يكون علامة في قلوب أهل الطمع لامحة، وفتنة سارحة ورائحة، ويكون العبد في حكم من وُسِمَ بمِيسَم الشقاوة نعوذ بالله منه، فكانت نصيبه وحظه، وأوبق نفسه من رحمة خالقه، فما أشَرَّه من مستشعر، وأخبثه من متجر!. وإنما الشعار المحمود استشعار خوف الله سبحانه الذي يبعث على أعمال الخير، فيبلغ العبدُ به مبالغ الرحمة، وينزل منازل الكرامة، فيُكتَب في زمرة أهل النجاة والحياة.