حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[التفكر والتدبر فيما يبعث فينا إيثار الآخرة على الدنيا الفانية]

صفحة 290 - الجزء 1

  الكشف والسلب. والقناع ما يُتقنّع به، أي يُتغطَّى به. والمخافة والخوف واحد، والكل منه # استعارة حسنة.

  وإن كانت التحلية من الحلاوة والتعذيب؛ فمعناه حبِّبوا أنفسكم، والمحبوب من الرجال حُلوٌ، والمبغوض مُرٌّ، قال ابن أخت تأبَّطَ شرّاً:

  ولَهُ طَعْمان حُلْوٌ وَمُرُّ ... وَكِلَا الطَّعْمَيْنِ قَدْ ذَاقَ كُلُّ

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أمَرَنا أن نزين نفوسنا أو نُحبِّبها عند ربنا بالطاعة، فإن ذلك أنجا لها في موقف الهول يوم القيامة، وأن نُلْبِسها قناع المخافة لنأْمَنَ من روع الآخرة، لأنا إذا خفناه سبحانه أطعناه، وآثرنا رضاه؛ ففزنا بكرامة المطيعين عنده، وسَلِمْنا من تبعة العاصين لديه، فأحبب بحليةٍ أو تحلٍّ يُنفق بضاعتنا الكاسدة، وخوفٍ يُؤَمِّن روعتنا الواقدة⁣(⁣١).

  إن من أعظم العظائم أن لا نتحلى بطاعته، ولا نقدر أن ندفع عن أنفسنا عقوبة معصيته، ولا نلبس قناع مخافته مع علمنا بهجومِ هائل سطوته. أفما عقولٌ مُسْتعمَلة تُوَجَّه بها الأفعالُ إلى جهاتها، وتُوَسَّم بها الأعمالُ بسماتها.

  قوله #: وَاجْعَلُوا حَرْثَكُمْ لِأنْفُسِكُمْ، وَسَعْيَكُمْ لِمُسْتَقَرِّكُمْ.

  قد تقدم الكلام في معنى الجعل. والحرثُ أصله التحريك والبحث على وجهٍ مخصوص، يقال حرث النار إذا بحثها، وحرَّكها ليستثير كامنها، ويحرك ساكنها، وسمي العود الذي يُصنع به ذلك محراثاً، قال الشاعر⁣(⁣٢):

  ضاحي الْمُحَيَّا لِلْهَجِيرِ ولِلْقَنَا ... بَيْنَ الرِّمَاح تَخَالُهُ مِحْرَاثا

  وحرْثُ الطينِ إثارَتُهُ، وقد قال سبحانه في داوود وسليمان @: {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي


= في شرح التجريد، والإمام أحمد بن سليمان # في أصول الأحكام وحقائق المعرفة، ورواه الإمام يحيى بن حمزة # في الانتصار، والأمير الناصر للحق حافظ العترة الحسين بن بدر الدين محمد # في الشفاء.

(١) الواقدة: أي المحرقة.

(٢) البيت لأبي تمام يمدح مالك بن طوق، وفي الديوان: (تحت العجاج) بدلا من (بين الرماح).