الحديث السابع والعشرون
الحديث السابع والعشرون
  عَنْ(١) أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ÷ فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا: «لَا تَكُونُوا مِمَّن اخْتَدَعَتْهُ الْعَاجِلَةُ وَغَرَّتْهُ الْأُمْنِيَّةُ، وَاسْتَهْوَتْهُ الْخُدْعَةُ، فَرَكَنَ إِلَى دَارٍ سَرِيعَةِ الزَّوَالِ، وَشِيكَةِ الإِنْتِقَالِ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ فِي جَنْبِ مَا مَضَى إِلَّا كَإِنَاخَةِ رَاكِبٍ، أَوْ صَرِّ حَالِبٍ، فَعَلَامَ تُعَرِّجُونَ؟! وَمَاذَا تَنْتَظِرُونَ؟! فَكَأَنَّكُمْ وَاللَّهِ بِمَا قَدْ أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَمَا تَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْآخِرَةِ كَأَنْ لَمْ يَزلْ، فَخُذُوا الْأُهْبَةَ لأُزُوفِ النُّقْلَةِ، وَأَعِدُّوا الزَّادَ لِقُرْبِ الرِّحْلَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ امْرِئٍ عَلَى مَا قَدَّم قَادِمٌ، وَعَلَى مَا خَلَّفَ نَادِمٌ».
  أبو هريرة قد تقدم الكلام في صفته ونسبه. وقد تقدم تفسير الخطبة والخُدعة، والاختداع افتعال منها. والعاجلة الدنيا، لقربها منَّا، وتعجُّلِها إلينا. والاغترار(٢) قريب من الاختداع في المعنى، ومنه بَيْعُ الغَرَر، ومعناه أن يُظهِر الإنسان أمراً يُركَن إليه، والأمر في الباطن بخلافه، وهو مأخوذ من الغِرِّ، وهو الحرف، كأن صاحبه منه على غير ثبات. الأمنية واحدة الأماني، لبعض أهل العصر:
  وكم أُمْنِيَّة جلبتْ منيَّة(٣) .......................
  واستهوته: استخفَّته فصيرته هواء لا ثبات له. الخدعة الحيلة والنصْب.
(١) قال السيد الشريف: حدثنا شيخي أبو سعيد السيرافي قال حدثنا إبراهيم بن شريك قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي قال حدثنا بن أبي ذيب عن المنقري عن أبيه عن أبي هريرة ... الحديث.
(٢) قال في الصحاح: يُقَالُ رَجُلٌ غِرٌّ، بِالْكَسْرِ، وَغَرِيرٌ أَي غَيْرُ مُجَرِّبٍ، هامش (أ).
(٣) نسبها الجرجاني # في كتاب الاعتبار وسلوة العارفين إلى الإمام علي # في أبيات:
ألَا يا نَفْسُ إنْ تَرْضَيْ بِقُوتٍ ... فَأَنْتِ عَزِيزَةٌ أبَداً غَنِيَّه
دَعِي عَنْكِ الْمَطامِعَ والْمَلَاهِي ... فَكَمْ أُمْنِيَّةٌ جَلَبَتْ مَنِيَّه