الحديث السابع والعشرون
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # نهى أن نكون ممن اختدعته العاجلة - وهي الدنيا - عن دينه، ومصالح نفسه، ومنجيات عمله، اشتغل بأمور العاجلة، ونسي الآجلة، ففاتته العاجلة، وشقي بالعاقبة، فلا العاجلة له باقية، ولا له من شرِّ الآجلة واقية.
  هذا وقد غرَّ نفسه بالأمنية، فبادرته المنيَّة، واستهوته الخُدعة، فلم يُمَكَّنْ من الرَّجْعة، فانظر أيها العبد لنفسك نظَراً مُخَلِّصاً، ولا تكن بها متربِّصاً، وبادِرْ زوالها، وَوَشْكَ(١) انتقالها، ولا تنخدع لها، ولا تغتر بغرورها، ولك منها فيمن غرَّتْهُ قبلك أكبر واعظة، وفيمن اختدعته واستهوته أوضح زاجر، أفلم تُصَيِّر الملوك بأمانيها أمثالاً سائرة، وتُنْزِل بهم الفاقرة الواقرة(٢)، أفلم تخدع المترهِّبين في رهبانيتهم، والمتعبدين في عبادتهم، والعلماء في علمهم، والمذَكِّرين في تذكيرهم، وبسطتْ حبائل آمالها، ولوَّنت تصاوير خدائعها، فقصَّر مُقَصِّرٌ فاقتطعَتْه في تقصيره، وسار سائرٌ فعاقته عن مسيره، ورَكَنَ(٣) ثالث فاستنزلته عن سريره، فرمتهم في الساهرة(٤)، وردتهم في الحافرة(٥)، فباءوا بصفقة خاسرة، ووجوهٍ باسرة(٦)، فإياك أن تكون واحداً منهم، فذلك جمْعٌ كَثْرَتُهُ وَحْشَةٌ، وَحَشْدُهُ قُلٌّ وفَلٌّ(٧)، وصَغارٌ وذُلٌّ.
(١) وَشْك انْتِقالِها: سُرْعَة انْتِقالِها، ودُنُوّه وَقُرْبه، قال في القاموس المحيط (ص: ٩٥٧) وَشْكُ الفِراقِ ووَشْكانُه، ويُضَمَّانِ: سُرْعَتُهُ.
(٢) الفاقِرةُ: الدَّاهِيَةٌ التي تَكْسِرُ فَقَارَ الظَّهْرِ، (قد فسرها الإمام # في الحديث الخامس عشر) والواقرة: لعلها مأخوذة من الوِقْر بالكسر وهو الحِمْل الثَّقِيلُ.
(٣) رَكَنَ إليه، كنَصَرَ وعَلِمَ ومَنَعَ، رُكوناً: مال، وسَكَنَ، (القاموس المحيط: ١٢٠١).
(٤) السَّاهِرَةُ: الأَرض البيضاء المستوية، تمت كشاف، هامش (أ) (انظر لسان العرب: ٤/ ٣٨٣).
(٥) الحافِرَةُ: الحياة بعد الموت، هامش (أ)، قال في القاموس المحيط: الحافِرَةُ: الخِلْقَةُ الأُولَى، والعَوْدُ في الشيءِ حتى يُرَدَّ آخِرُهُ على أولِهِ، (القاموس المحيط: ٣٧٨).
(٦) الباسر: الشديد العبوس، هامش (أ).
(٧) القُلُّ، بالضم: القليلُ، والفَلُّ، بالفتح: الْمُنْهَزِمون، قومٌ فَلٌّ: أي مُنْهزِمونَ، (القاموس المحيط).