الحديث السابع والعشرون
  قوله #: فَرَكَنَ إِلَى دَارٍ سَرِيعَةِ الزَّوَالِ، وَشِيكَةِ الإِنْتِقَالِ.
  الركون والسكون والاطمئنان معناه واحد. والسريع والحثيث معناهما واحد. والزوال هو الذهاب والمضي. والوَشْك هو العاجل. والانتقال هو التحول.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أن من اختدعته العاجلة؛ وغرَّته الأمنية؛ واستهوته الخدعة؛ فإنه يركن إلى دار الدنيا، وهي كما علمنا سريعة الزوال، إذ لا حقيقة لشيء منها، غناؤها يؤول إلى العدم، وصحَّتها إلى السَّقَم، وفراغها إلى الشُّغل، وكُثْرُها إلى القُّلِّ، وإنما هي فيءٌ مائل، وظلٌّ حائل، وليس في متاعها طائل، ولا نائلُها بنائل، بل هو سَمٌّ قاتل، وحَتْفٌ عاجل، ومن ركن إلى ما هذه حاله وصِفَته؛ فهو المغرور المخدوع الْمُسْتَهْوى لا محالة.
  قوله #: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ فِي جَنْبِ مَا مَضَى إِلَّا كَإِنَاخَةِ رَاكِبٍ، أَوْ صَرِّ حَالِبٍ.
  الإناخة سريعة، وهي بالمشاهدة معروفة، يقرع الراكبُ ركبة راحلته أو عنقها، وقد أناخ في أسرع من رَجْعِ الكلام.
  وصَرُّ الحالب: وشيكٌ أيضاً، إنما هو عَصْبُ الصِّرار على الضرع خيفةً على الفصيل من اللبن في زمن الخير، وعلى اللبن من الفصيل في زمن الشر، وقد رأيناه يسبق إشارة المتكلم وردَّ المسلِّم.
  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه إذا كان الأكثر قد ذهب، والأجَلُ قد اقترب، وقد علمنا أن آخر هذا الكثير زواله، ونهاية هذا الطويل انقطاعه، وكان الباقي بعْضَ الماضي؛ فانظر ما يكون آخره، وإنما لك من الدنيا - طالتْ أم قصُرتْ - عمرك، فارم بفكرك إلى أبعد غاية منه تظنها ويظنُّها الظانُّون، فاعرف ما نهايته، ولا تغفل عن الاستعداد، وقدم الزاد، واهجر الرقاد، وليس الواعظ لك بمفازة من الغفلة، وإنما عناك بالكلام ونفسَه.