حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الثامن والعشرون

صفحة 306 - الجزء 1

  العبادة الكاملة، والواجب عليه ترك الاعتزال، ولهذا فإن السلف الصالح من آبائنا $ كان من تمكن منهم من القيام بأمور الناس وتقويم أوَدِهم عاشرهم وكاشرهم، وتأنَّى بهم وصابرهم، حتى يقيم حجة الله على خلقه، ومن تعذر عليه ذلك اعتزل بنفسه وولدِه لعبادة ربه، فافهم ما ذكرتُ لك، فإنَّ أكثر أهل عصرنا جُهَّال بمواقع الحكمة، وإشارات أهل المعرفة، يخبطون الدين خبط السَلَمَة⁣(⁣١) شوكه وورقه، لم يَرُدُّوا الأمر إلى أهله فيسلكوا فِجاجَه الرحيبة، ويوردوهم مناهله العذبة القريبة.

  قوله #: وَالْعَمَلَ كَنْزٌ، وَالدُّنْيَا مَعْدِنٌ.

  الكنز هو الجمع كما قدمنا، هذا أصله، ثم نُقِل إلى كل مالٍ مجموع؛ هذا لغته، ثم نُقِل إلى كل مالٍ مجموع من الذهب والفضة والجواهر، هذا عرفه، ثم نقل إلى كل مالٍ لم يُخْرَج حقُّ الله تعالى منه، هذا شرعه⁣(⁣٢)، واللفظ هاهنا محمول على المعنى العرفي. والمعدن هو الموضع الذي يُستخرج منه الجواهر والذهب والفضة واللؤلؤ والدر والياقوت والمرجان وغير ذلك، وسمي معدناً لعدونه وإقامته، أصل العُدُون الإقامة، قال الشاعر⁣(⁣٣):

  فإنْ يَسْتَضِيفوا إلَى حِلْمِهِ ... يُضَافُوا إِلَى رَاجِحٍ قَدْ عَدَنْ⁣(⁣٤)


(١) السَّلَمَةُ: هِيَ شَجَرة ورقُها القَرَظ، ويَعْسُر خَرْط وَرَقها فتُعْصَبُ أغْصانُها، بِأَنْ تُجمَع ويُشَدَّ بعضُها إِلَى بَعْضٍ بِحَبْل، ثُمَّ تُخْبط بِعَصاً فيتَنَاثَر ورَقُها، (النهاية في غريب الحديث والأثر ٣/ ٢٤٤).

(٢) ذكره الإمام عبدالله بن حمزة # بزيادة تفصيل في شرح الحديث الثامن عشر عند تفسير الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ}.

(٣) هو الأَعْشَى (ت ٧ هـ) ميمون بن قيس بن جندل، من بني قيس بن ثعلبة الوائلي، أبو بصير، المعروف بأعشى قيس، ويقال له أعشى بكر بن وائل، والأعشى الكبير، من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية، وأحد أصحاب المعلقات. ... عاش عمراً طويلا، وأدرك الإسلام ولم يسلم، ولقب بالأعشى لضعف بصره، وعمي في أواخر عمره، ... أخباره كثيرة، ... جمع بعض شعره في ديوان سمي (الصبح المنير في شعر أبي بصير - ط) (انظر الأعلام للزركلي ٧/ ٣٤١).

(٤) عَدَنَ فُلَانٌ بِالْمَكَانِ يَعْدِنُ ويَعْدُنُ عَدْناً وعُدُوناً: أَقام، وعَدَنْتُ البلدَ: تَوَطَّنْتُه. ومرْكَزُ كُلِّ شَيْءٍ مَعْدِنُه، وجنّاتُ عَدْنٍ مِنْهُ؛ أَي جَنَّاتُ إِقامةٍ؛ لِمَكَانِ الخُلْد. (لسان العرب: ١٣/ ٢٧٩).