حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الثامن والعشرون

صفحة 311 - الجزء 1

  الأُمَّة في الأصل هم الخلق الذين يجمعهم أمر من الأمور، قال الله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ}⁣[القصص: ٢٣] أي جماعة جَمَعَهُم طلب السقي، وفي العرف الذين بُعِثَ إليهم النبي ÷ فصدَّقوه. والأطباق والأصناف معناهما واحد، والأصل في الأطباق الحالات، قال الله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ١٩}⁣[الإنشقاق] حالة عن حالة، والله أعلم.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنَّ الأمة ستنقسم على ما ذكره # إلى ثلاثة أطباق، وقد وصف لك كلَّ طبق بصفته، وأنت مُتَمَكِّنٌ من الكون في أي طبقة اخترت، فاجعل لنفسك الاختيار فأنت مُؤْتَمنٌ عليها، واعلم أنك إن لم تكن في الطبق الأول كنت من الطبق الأوسط، وإن لم تكن من الأوسط كنت من الأسفل، فلا تظنه الهزْلَ، بل هو حقٌّ كما أنك تنطق.

  قوله #: أَمَّا الطَّبَقُ الأَوَّلُ: فَلَا يَرْغَبُونَ فِي جَمْعِ الْمَالِ وَادِّخَارِهِ، وَلَا يَسْعَوْنَ فِي اقْتِنَائِهِ وَاحْتِكَارِهِ، إِنَّمَا رِضَاهُمْ مِنَ الدُّنْيَا سَدُّ جَوْعَةٍ، وَسَتْرُ عَوْرَةٍ، وَغِنَاهُمْ فِيهَا مَا بَلَغَ بِهِمُ الْآخِرَةَ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.

  الرغبة هي الحرص. والجمع معروف. والمال ما يُتمَوَّلُ من الأملاك، وسُمِّي مالاً، لأنه يميل بصاحبه إلى حُبِّه. والادخار هو الحفظ والمنع. والسعي معروف، وقد تقدم معناه. والاقتناء التَّمَلُّكُ. والاحتكار حفظٌ شديدٌ في الأصل، وصار في الشرع منع المبيع عن البيع عند مَسَاس الحاجة العامة إليه. والرضى نقيض الغضب. والسَّدُ رقع الخلل. والجَوعة إحدى حالات الجوع. والسَّتْرُ التغطية، وهو مصدر. والعورة معروفة، وفي تحديدها اختلاف بين أهل العلم، وعندنا أنها من تحت السُرَّة إلى تحت الركبة في الرجل والمملوكة، والحُرَّة عورةٌ كلُّها على الأجانب، لقول النبي ÷: «النِّسَاءُ عِيٌّ وَعَوْرَاتٌ» فعمَّ، وعلى محارمها رأسها وصدرها ويداها إلى عضُدَيها، ورجلاها إلى نصف ساقيها ليس بعورة، وليس بين الزوجين عورةٌ جملةً. والغنى نقيض الفقر، وهو معروف. والبلاغ الوصول. والآخرة دار الحساب والعقاب والثواب. والخوف توَقُّعُ شرٍّ مجهول وقت الهجوم. والحزن شدة الغم.