حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[موعظة بليغة في حقيقة الزهاد ونظرتهم إلى الدنيا]

صفحة 315 - الجزء 1

  فإن استطعت رحمك الله أن تجعل نفسك من الطبق الأول فهو الفضل الكامل، وأهله قليل، وإلَّا فإياك أنْ تَدحض قدمُك من الكون مع هذا الطبق الثاني، فليس في الطبق الثالث شيء مما تريد، ولا إليه مبلغ، وما قولك لو جيء بك إلى حالق لِيُرْمَى بك من شرفة؛ ألم تكن تتشبَّث بيديك ورجليك، وتُعْمِل كل حيلة في الاستقرار؟! وإنَّمَا ضررُه إلى فوت الروح، وهو ساعة، فلا يغرنك بالله الغرور، فليس هذا من الْمُحال في شيء، فانظر لنفسك وأنت في مَهَل، وعلى صِيرِ دَعَة⁣(⁣١)، تكليفٌ هيِّن، وحقٌّ بَيِّن، فما عذرك إن كنت غداً من الهالكين، وقد تنكبت الصراط المستبين.

  قوله #: وَأَمَّا الطَّبَقُ الثَّالِثُ: فَيُحِبُّونَ جَمْعَ الْمَالِ مِمَّا حَلَّ وَحَرُمَ، وَمَنْعَهُ مِمَّا افْتُرِضَ وَوَجَبَ، إِنْ أَنْفَقُوهُ أَنْفَقُوهُ إِسْرَافاً وَبِدَاراً، وَإِنْ أَمْسَكُوهُ أَمْسَكُوهُ بُخْلاً وَاحْتِكَاراً، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ مَلَكَتِ الدُّنْيَا زِمَامَ قُلُوبِهِمْ، حَتَّى أَوْرَدَتْهُمُ النَّارَ بِذُنُوبِهِمْ.

  الحب نقيض البغض. والجمع نقيض التفريق. وحَلَّ نقيض حَرُمَ. والمنعُ نقيض الإعطاء. والفرض هو القطع لوجوب الحق. والواجب الواقع اللازم. والإنفاق نقيض الإمساك. والإسراف إنفاق أكثر مما يحتاج إليه. والبدار من المبادرة، وهو المسابقة بفعل المحظور، والإمساك هو المنع. والبخل والشح معناهما واحد وقد تقدم، والْمِلْك هو التولي على الأمر. والزِّمام أصله في الراحلة تُودَعُ في أنفها بُرَةٌ أو خِشاشٌ⁣(⁣٢)، ثم يجعل فيه سير ثم يُلقى فيه الخِطام، فيُقاد بلا امتناع. والإيراد والإقحام معناهما واحد، وأصله الإيراد في الإبل تُورَدُ الماء، ثم نقل إلى غيره، قال الشاعر:

  أَوْرَدَها سَعْدٌ وَسَعْدٌ مُشْتَمِلْ ... يا سَعْدُ لا تُرْوَى عَلَى هذا الْإِبِلْ⁣(⁣٣)


(١) صِيرُ الأمرِ، بالكسر: مصيره وعاقبته. يقال: فلان على صِيرِ أَمْرٍ، إذا كان على إشرافٍ من قَضائه، (الصحاح ٢/ ٧١٨) والدَّعَةُ: الخَفْضُ، والسَّعَةُ في العَيْشِ. (القاموس المحيط: ٧٦٩).

(٢) البُرَةُ: الحَلْقَةُ تُجْعَلُ في أنْفِ البَعِيرِ، والخِشاشُ: الحَلْقَةُ تُدْخَلُ في عَظْمِ أنْفِ البَعِيرِ، تمت ضياء، هامش (أ).

(٣) يضْرب مثلا للرجل يقصر فِي الْأَمر إيثاراً للراحة على الْمَشَقَّة ... والمثل لمَالِك بن زيد مَنَاة بن تَمِيم وَرَأى أَخَاهُ سَعْداً أوْرَدَ إبِله وَلم يحسن الْقيام عَلَيْهَا فَقَالَ ذَلِك ..، وَخرج قوم فِي خلَافَة عَليّ # سفرا فَقتلُوا بَعضهم فَلَمَّا رجعُوا طالبهم عَليّ ¥ وَأمر شريحاً بِالنّظرِ فِي أَمرهم فَحكم بِإِقَامَة الْبَيِّنَة فَقَالَ عَليّ #: =