حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[كلام في الرزق]

صفحة 320 - الجزء 1

  المَعْنَى: أنه # بيَّن أنَّ الله تبارك اسمه وتعالى جَدُّه بحكمه وعلمه الذي أحاط بكل شيء، واستوضح دخيلة كل حي جعل الرَّوح الدعة والسَّعة والفَرَج الخلاص من الشدة ووجود النهوج الواسعةِ المسالك في الرضى عن الله سبحانه بما قسم من قليل وكثير، ودقيق وجليل، وأن لا نتَّهِمَهُ في قَسْمِه، ولا نُفَنِّدَه في حكمه، لأنه أعلم بمصالحنا منَّا. وكم من محبوب سألناه لو أُعطينا فيه سؤلنا لكان وبالُنا، وساءت حالنا، وكيف نَتَّهم⁣(⁣١) من يقول: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ٨}⁣[الرعد] ويقول سبحانه: {يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ}⁣[الشورى: ٢٧] ويقول: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ}⁣[الشورى: ٢٧] ويقول سبحانه: {أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} ... الآيات [الزخرف: ٣٣] ويقول سبحانه: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}⁣[الزخرف: ٣٢] ويقول سبحانه: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}⁣[الرعد: ٢٦] ويقول: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ١٥ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ١٦}⁣[الفجر] فجعل الجميع بلوى، إلى غير ذلك من الآيات التي معانيها تشهد لها أدلة العقول، وتسبق إلى الأفهام.

  فإن جَعَلَنا - والحال هذه - من أهل البسط والتوسيع لزِمْنا⁣(⁣٢) طريقةَ الشكر والحمد والإنصاف من النفس، وتأدية الحق، وتركنا سُنّة الجمع والمنع، والاحتكار والاستبداد، والغمص والأشر والبطر والرياء والمباهاة والمكاثرة، فإن هذه آفات الغنى، ولها توابع.

  وإنِ ابتلانا، وقدَرَ علينا رزقنا وطَّنَّا نفوسنا على الصبر، واحتمال مؤنة الضرر والفقر، وعلمنا أنَّا قد حُلِّينا بحِلْيَةِ الصالحين، وأُلْبِسنا شعار النبيين، وفُرِّق بيننا وبين المترفين، وأريح علينا من مؤنة شكر المكثرين، ومن التعرض لزوال نعمة المتجبرين، فكنا في شدة ننتظر الرخاء، وضيق ننتظر الفرج، فكنَّا بالحساب موقنين، وعن الله راضين، ولحكمه قابلين، وبقوله قائلين، ولم تستخفنا


(١) في الأصل: يُتَّهَمُ، بالبناء للمجهول.

(٢) لعلها بسكون الميم، وإذا فُتِحَتْ لزم رفع (طريقة).