حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[كلام في الرزق]

صفحة 321 - الجزء 1

  أقاويل المعطلين، ولا تحاريف المبطلين، الذين جعلوا دنياهم دار مقامتهم، وزعموا⁣(⁣١) أن الله تعالى جعلها ثواباً للمطيعين، وزواها عن العاصين؛ ردّاً للكتاب، ومكابرة للعيان، وجهلاً بمواضع الحكمة، ومواقع التدبير! قال العليم القدير: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ٥٥ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٦}⁣[المؤمنون].

  وإذا شككنا في هذا الأمر، ولم نكن فيه على يقين لم نزل مهمومين محزونين، عن الخير مخزونين، لا نحن عن الله - والعياذ بالله - راضون، ولا سخطنا يوجب تغيير موجبات الحكمة، ومواضع تدبير العلم بمصالح الدين ..، ولا يجب أن يصلحوا لا محالة، وإنما عليه سبحانه تقريبهم بما يكون في علمه المخزون وغيبه المكنون حالهم معه أقربَ إلى الخير، وإن تمادوا في النِّفار، وتغارَّوا في الفرار⁣(⁣٢)، فالجرم لهم، ولله الحجة البالغة عليهم.

  قوله #: إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئاً اتِّقَاءً لِلَّهِ إِلَّا آتَاكَ اللَّهُ خَيْراً مِنْهُ، وَلَنْ تَأْتِيَ شَيْئاً تَقَرُّباً إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ إِلَّا أَجْزَلَ لَكَ الثَّوَابَ عَنْهُ.

  تدع يستعمل منه مستقبَلُه دون ماضيه⁣(⁣٣). والشيء ما يصح العلم به، والخبر عنه مفرداً. والاتقاء هو تلقي الأمر بما يدفعه من ستر أو جُنَّة. وخيراً منه المراد شيئاً فاضلاً، لأن المتروك قد لا يكون فيه خير جملة على الحقيقة. وإتيان الشيء نقيض تركه. والتقريب⁣(⁣٤) والتحبُّب هو فعل ما يريد المتقرَّبُ إليه والمتحبَّبُ به فعله أو تركه. والإجزال الإكثار. والثواب هو ما يرجع على الإنسان من جزاء عمله، أُخذ من ثاب إذا رجع.


(١) لَعَلَّهُمْ المُطَرَّفِيَّة، قال الإمامُ [القاسم بن محمد] # في الأساس: (المُطَرَّفِيَّة: لَا مِلْكَ لِعَاصٍ) فِيمَا حازَهُ وَقَبِضَهُ، فهو مُغْتَصِبٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الله تعالى لَمْ يَأْذَنْ لَهُ في تَنَاوُلِ شَيْءٍ مِنْ رِزْقِهِ، تمتْ أساس وشرحه، تمت، هامش (أ).

(٢) لعلها بمعنى: بَلَغُوا الْغَوْرَ في الفِرَارِ، وغَوْرُ كُلِّ شَيْءٍ: عُمْقُه وبُعْدُه.

(٣) قال الجوهري في الصحاح (٣/ ١٢٩٦): وَدَعَ يَدَعُ، وقد أُميتَ ماضيه، لا يقال وَدَعَهُ وإنَّما يقال تركه، ولا وادِعٌ ولكن تاركٌ، ا. هـ.

(٤) في نسخة أخرى: التَّقَرُّبُ والتَّحَبُّبُ، ولعله الأصوب.