الحديث الثالث والثلاثون
الحديث الثالث والثلاثون
  عَنْ(١) أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وقد تقدم ذكر نسبه، وطرف من حاله، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ÷ يَقُولُ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ؛ شَمِّرُوا فَإِنَّ الأَمْرَ جِدٌّ، وَتَأَهَّبُوا فَإِنَّ الرَّحِيلَ قَرِيبٌ، وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ السَّفَرَ بَعِيدٌ، وَخَفِّفُوا أَثْقَالَكُمْ فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ عَقَبَةً كَؤُوداً، لَا يَقْطَعُهَا إِلَّا الْمُخِفُّونَ، أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أُمُوراً شِدَاداً، وَأَهْوَالاً عِظَاماً، وَزَمَاناً صَعْباً، يَتَمَلَّكُ فِيهِ الظَّلَمَةُ، وَيَتَصَدَّرُ فِيهِ الْفَسَقَةُ، فُيُضْطَهَدُ فِيهِ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيُضَامُّ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَأَعِدُّوا لِذَلِكَ الْإيمَانَ، وَعُضُّوا عَلَيْهِ النَّوَاجِذَ، وَالْجَأُوا إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِح، وَأَكْرِهُوا عَلَيْهِ النُّفُوسَ، وَاصْبِرُوا عَلَى الضَّرَّاءِ، تُفْضُوا إِلَى النَّعِيمِ الدَّائِمِ».
  المعشر هو الجماعة الذين يجمعهم أمرٌ من الأمور التي توجب العشرة، والعشرة هي المعاملة. والمسلمون هم الذين أسلموا لله سبحانه، وسلَّموا أمورهم إليه، سُموا مسلمين بذلك، والإسلام والإيمان في الشريعة واحد، وهو في أصل اللغة مختلف المعنى. والتشمير رفع الأطراف، ولا يكون ذلك إلا عند الشدة، قال الشاعر يصف هولاً:
  إذا ما البيض أبدين الخداما
  يريد الخلاخيل لَمَّا شمَّرن للهرب. والجد نقيض الهزْل. والتأهب حَمْلُ الأُهَب، وهي آلة السفر، وأصلها الإهاب الذي يُجْمَعُ فيه المتاع، كما أن التسَلُّحَ حملُ السلاح. الرحيل نقيض الحلول. والقريب نقيض البعيد. والتزوُّد جمع الزاد وإعداده وحمله. والسفر هو مدة السير. والتخفيف هو إلقاء الأثقال. والأثقال معروفة، ومثله الأوزار. ووراءُ هاهنا بمعنى أمام. قال قيس بن الخطيم:
(١) قال السيد الشريف: وحدثنا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري قال حدثنا أبو منصور محمد بن حاتم المؤدب قال حدثنا محمد بن سلام الجمحي قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا علي بن زيد عن أنس بن مالك ... الحديث.