حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

الحديث الأول

صفحة 34 - الجزء 1

  الْخُطبة: هي الكلام المصرَّع المسجوع، يقوم بها الرَّجُل في المجامع، وسُميت خُطبةً لِعِظَم حالها، ومن ذلك سُمِّي الخَطْب خطْباً، ويقول قائل أهل اللغة: ما خَطْبُك، أي ما أمرك وشأنك، استعظاماً لما جاء به، ومن ذلك خِطْبة النِّكاح لعِظَم شأنه عندهم.

  عَلَى نَاقَتِهِ الْجَذْعَاءِ: سمعناه بالذال معجمة ممدودًا، ولا أدري من أي شيء أخذ، ولعله عَلَمٌ لها، ومما كان يداوم ركوبه القصواء والعضباء، وعادة العرب الخطبة من مكانٍ عالٍ أو ظهر راحلةٍ، ولم يغير ذلك الإسلامُ؛ لأنَّ رسول الله ÷ اتَّخذ المنبرَ وخَطَبَ من ظهر الراحلة، وكذلك الأئمة بعده، وهو # القدوة في ذلك.

  فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ؛ كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ.

  أَيُّهَا النَّاسُ خطابٌ عامٌّ، و (كأنَّ) حرف تشبيه، وله أخوات تنصب الأسماء وترفع الأخبار، والموت معنًى يضاد الحياة على خلافٍ في ذلك بين أهل العلم، والظاهرُ مع من أثبته معنًى، وهو قول الله تعالى: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}⁣[الملك: ٢] فأثبت أنَّ ثَمَّ مخلوقاً، ولا يكون إلا معنى.

  قوله #: (فِيهَا) يريد الدنيا وإن لم يتقدم لها ذكر، ومثله في كلام الفصحاء وفي كلام الله تعالى، قال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ١} يريد القرآن الكريم، ولم يتقدم له ذكر، فهذا ما يتعلق باللفظ.

  وأمَّا ما يتعلق بالمعنى: فلما كان الموت من أهمِّ ما أُخْطِرَ بالبال، فأشعل نار البَلْبال⁣(⁣١)، وأعظم حادثٍ نزل بقطع الآجال، فضاعف الأوجال⁣(⁣٢)، فهو كما ترى عظيم الخطر، والنازل المعلوم النزول إذا عَظُمَ خطره لم يَغْفُل أهل العقول عن الاستعداد لنزوله، والتأهب لحلوله، فلمَّا عاين ÷ حالَ الناس وقلَّةَ تأهبهم للموت الذي لا بدَّ منه ولا ينبغي لعاقل أن يَغْفُل عنه؛ جمع نفسه ÷ مع أُمَّته في الذكر وإن كان بخلافهم في ذلك؛ لأنه كان # أكثرَ الخلق وَجَلاً، وأحسنهم قولاً وعملاً، فخلط نفسه في الضمير لسعة أخلاقه،


(١) البَلْبَال: شدَّة الْهَمِّ والوَسْواس فِي الصُّدُورِ وَحَدِيثُ النَّفْسِ، (لسان العرب ١١/ ٦٩).

(٢) الْأَوْجَالُ جَمْعُ وَجَلٍ، وهو الْفَزَعُ والْخَوْفُ، وَجِلَ يَوْجَلُ ويَيْجَلُ، فَهُوَ وَجِلٌ، (النهاية ٥/ ١٥٧).