مَنْ لِنَفْسٍ كَثِيرَةِ الْإشْفاقِ ... وَلِعَيْنٍ كَثِيرَةِ الْإِطْرَاقِ

  جَمَدَتْ لِلَّذِي دَهاها زَماناً ... ثُمَّ جَادَتْ بِدَمْعِها الْمِهْرَاقِ

  لِفِراقِ الَّذِينَ راحُوا إِلى الْمَوْ ... تِ عَياناً وَالْمَوْتُ مُرُّ الْمَذَاقِ

  ثُمَّ راحُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْنا ... بِأَكُفٍ مَشْدُودَةٍ بِالْوَثَاقِ

  مَا رَأَيْنَا مِنَ الْبَرِيَّةِ طُرّاً ... مِثْلَهُمْ لَوْ وَقَاهمُ⁣^(⁣١) الْمَوْتَ وَاقِي

  كَرَماً عِنْدَما أَلَمَّ وَصَبْراً ... لَيْسَتِ الْمُقْرِفَاتُ⁣^(⁣٢) مِثْلَ الْعِتَاقِ

  فِيهِمُ سَيِّدُ الْبَرِيَّةِ يَشْكُو ... طُولَ حَبْسٍ وَعَضَّ كَبْلٍ مُضَاقِ

  مَسَحَتْ وَجْهَهُ قُرَيْشٌ وَعاذَتْ ... بِمُفّدًّى مُبارَكٍ سَبَّاق

  يعني عبد الله بن الحسن #، ومن كان يمتري في شرفه؟!

  ولقد قال له أبو جعفر في الربذة، لأنهم وصلوا بهم إليه إلى هنالك، فقام عبد الله في طرف البساط لمكان القيد، فقال له أبو جعفر: ادْنُ إلى هاهنا يا ابن اللخناء - اللخناء الأمة المنتنة الريح - فرفع رأسه إليه غير مكترث، وقال: أيُّ الفواطم تعني؟ فخجل وقُطع به، أراد وضعه فكأنما رفع بيده إلى السماء.

  وقال إبراهيم بن عبد الله # في حبس أبيه وأهل بيته وقيدِهِ قصيدةً طويلة، نذكر منها قوله:

  نَفْسِي فَدَتْ شَيْبَةً هُناكَ وَظُنْـ ... ـبُوباً به مِنْ قُيُودِها نَدَبُ⁣^(⁣٣)

  يا حِلَقَ الْقَيْدِ مَا تَضَمَّنْتِ مِنْ ... حِلْمٍ وعِلْمٍ يزِينُهُ أَدَبُ

  وأُمَّهاتٌ مِنَ الْفَواطِمِ أنْـ ... ـجَبْنَكَ بيضٌ عَقائِلٌ عُرُبُ

(١) العبارة في نسخة أخرى بلفظ: لَوْ وَقَى مِنَ الْمَوْتِ وَاقِي.

(٢) أقْرَفَ لَهُ: أي دَانَاهُ، وَمِنْ ذَلك الفَرَسُ المُقْرِفُ، وهو الذي دَانَى الهُجْنة. يقال: إنَّ الإقْرَافَ من قِبَلِ الأب، والْهُجْنَةُ من قِبَل الأُم، فإذا كان الأبُ عَتِيقاً وَلَيْسَتِ الأمُّ كذلك فالْولدُ هَجِينٌ، وإنْ كانتِ الأمُّ عَتِيقَةً وَلَيس الأبُ كذلك فالوَلَدُ مُقْرِفٌ. قالتْ هِنْدُ بِنْتُ النُّعْمان بن بَشِير:

فإنْ نتجَتْ مُهراً كريماً فَبِالْحَرَى ... وإنْ يكُ إقْرافٌ فما أنْجَبَ الفَحْلُ

تمت ضياء، من هامش (أ).

(٣) الظُّنْبُوبُ: عظم الساق، تمت، هامش (أ). قلنا: والنَّدَبَةُ: أَثَرُ الجُرْحِ الباقي على الجِلْدِ، ج: نَدَبٌ وأندابٌ ونُدوبٌ (القاموس المحيط: ١٣٧).