حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[صنيع بني أمية وبني العباس بأهل البيت وذكر محبس الهاشمية]

صفحة 346 - الجزء 1

  ولا يكون إلا عند أصعب الأمور. وقال علي #: في بعض وصاياه في الحرب: (عُضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ مِنَ الْأَضَرَاسِ، فَإِنَّهُ أَنْبَا⁣(⁣١) لِلْسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ) والالتجاء: هو التحرز والمظاهرة لما تُرجى معه السلامة. والعمل الصالح طاعة الله. وإكراه النفوس غصبها. والصبر نقيض الجزع، وأصله الحبس، مَصْبورٌ بمعنى محبوس، والضراء ما يتضرر به الإنسان من المكاره، وقيل أنه المرض. والإفضاء هو الانتهاء إلى الشيء بلا حاجز ولا واسطة، وخلطه به، قال تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}⁣[النساء: ٢١] أي اختلط بعضكم ببعض، وتلاصقت أجسادكم بغير حاجز. والنعيم: هو الغضارة والدعة، ومنه الغَضِرُ الناعم اللين الريان. والدائم الذي لا زوال يخشى عليه.

  المَعْنَى فِي ذَلكَ: أنه # أمرنا أن نُعِدَّ لهذا الزمان الذي يتملك فيه الفسقة، ويتصدر الظلمة، ويُضطهد الآمرون بالمعروف، ويُضام الناهون عن المنكر؛ الإيمانَ، فإنه أنفع عدة فيه، لأنا إذا صدَّقْنا بما وُعِدْنَا على الصبر صبرنا وهان علينا، وإذا صدَّقَ أتباعُنا بذلك هان عليهم اتِّبَاعُنا وإن قَلُّوا وغُلِبُوا؛ ويؤيد هذا ما روي عن حاضر صاحب عيسى بن زيد # أنَّه لَمَّا جيء به إلى المهدي⁣(⁣٢) بن أبي جعفر قال له: أين عيسى؟ قال: وما يدريني؟! أخذتني فحبستني، وطردته فأخفته، فكيف أعلم مكان طريد منك وأنا محبوس؟! قال: ليس هكذا؛ متى فارقته؟ وعند مَنْ آخِرُ عهدِك به؟ وما عندك من علمه؟ قال: ما لقيتُه منذ توارى، ولا علمتُ له خبراً. قال: والله لتدلَّني عليه أو لأقتلنك؟ قال: أدُّلُكَ عليه تقتله! وألقَى جَدَّهُ وقد شَرِكْتُ في دمه!. والله لو كان


(١) النُّبُوُّ: الارتفاع، ونَبَا السَّيفُ عن الضَّرْبَةِ نَبْوَةً إذا لم يَقْطَعْ، تمت ضياء، هامش (أ).

(٢) المهدي: هو الخليفة الثالث من خلفاء بني العباس، وهو محمد بن أبي جعفر المنصور، وهو والد الهادي والرشيد، بويع له يوم السبت لست خلون من ذي الحجة سنة ١٥٨ هـ، وتوفي بماسندان سنة ١٦٩ هـ، وصلى عليه ولده المسمى بالرشيد، وكان منهمكاً في المعاصي واللذات والملاهي، وكان كثير التولية والعزل لغير سبب، وكانت له عناية في طلب فضلاء أهل البيت $ لقتلهم واستئصال شأفتهم، فسَلِمَ بعض، وأدرك مراده في بعض، وكان من طلباته عيسى بن زيد بن علي $ المكنى: مؤتم الأشبال، .... (انظر الشافي ط ٢ - ج ١/ ٥٤٥).