حديقة الحكمة النبوية في تفسير الأربعين السيلقية،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[صنيع بني أمية وبني العباس بأهل البيت وذكر محبس الهاشمية]

صفحة 347 - الجزء 1

  بين ثوبي وجلدي ما كشفتُ عنه، فاقْضِ ما أنت قاض. فضُرِبَتْ عنقه⁣(⁣١).

  فلولا تصديقُه - وهو إيمانه بلقاء جده، وما أُعِدّ له - ما ألقى بنفسه إلى التهلكة، وعرَّضها للتلف.

  وأما عضُّ النواجذ عليه فإشارة إلى الصبر والتشدد فيه.

  والجأوا إلى العمل الصالح فاجعلوه لكم فَيْئَةً تأوون إليه ونعم الفيئة، ما ظنُّك بفيئة لا تنهزم أبداً! أليست خيرَ ملجأ؟! ذلك العمل الصالح. (وَأَكْرِهُوا عَلَيْهِ النُّفُوسَ) عائدٌ إلى العمل الصالح؛


(١) ومما يتعلق بذلك ويماثله ما رواه الإمام المنصور بالله # في الشافي قال: حكى أبو الفرج في كتابه الصغير، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني محمد بن سالم بن عبد الرحمن، قال: قال علي بن الأحمر: حدثني أبي، قال: كنتُ أجتمع أنا وعيسى بن زيد، والحسن وعلي ابنا صالح بن حي، وإسرائيل بن يونس بن إسحاق، وجناب بن بسطاس، في جماعة من الزيدية في دار بالكوفة، فسعى ساعٍ بأمرنا إلى المهدي ودلّه على الدار، وكتب إلى عامله بالكوفة يضع الأرصاد علينا، فمتى اجتمعنا كبسنا وأخذنا ووجّه بنا إليه. فاجتمعنا ليلة في تلك الدار وبلغه خبرنا، فهجم علينا، ونَذِر القوم وكانوا في علوّ الدار فتفرقوا ونجوا جميعاً غيري، فأخذني وحملني إلى المهدي، فدخلت عليه، فلما رآني شتمني بالزاني، وقال لي: يا ابن الفاعلة أنت الذي تجمع مع عيسى بن زيد وتحثه على الخروج عليّ وتدعو إليه الناس؟ فقلت له: يا هذا أما تستحي ولا تتقي الله ولا تخافه، تشتم المحصنات وتقذفهنّ بالفاحشة وقد كان ينبغي لك ويلزمك في دينك وما وليته أن لو سمعتَ سفيهاً يقول مثل ذلك أن تقيم عليه الحد. فأعاد شتمي، ثم وثب إليّ وجعل يضربني بيده ويخبطني برجليه ويشتمني؛ فقلت: إنك لشجاع حين قويتَ على شيخ مثلي تضربه لا يقدر على المنع من نفسه ولا الانتصار لها. فأمر بحبسي والضيق عليّ، فقيّدتُ بقيد ثقيل وحُبست سنتين؛ فلما بلغه وفاة عيسى بن زيد بعث إليّ فدعاني فقال: من أي الناس أنت؟ قلت من المسلمين. قال: أعربي أنت؟ قلت: لا. قال: فمن أي الناس؟ قلت: كان أبي عبداً لبعض أهل الكوفة فأعتقه فهو أبي. قال لي: إن عيسى بن زيد قد مات، فقلت: أعظم بها مصيبة ¦ فلقد كان عابداً ورعاً مجتهداً في طاعة الله غير خائف لومة لائم، ثم قال: أفما علمت بوفاته؟ قلت: بلى، قال: فلم لا تبشرني بوفاته؟ قلت: لم أحب أن أسُرَّك بأمر لو عاش رسول الله ÷ فعرفه لَسَاءَه؛ فأطرق طويلاً، ثم قال: ما أرى في جسمك فضلاً للعقوبة، وأخاف أن أستعمل شيئاً منها فتموت، وقد كُفيتُ عدوّي، فانصرف في غير حفظ الله، ووالله لئن عدتَ لمثل ما فعلتَ لأضربنّ عنقك. قال: فانصرفت إلى الكوفة، فقال المهدي للربيع: أما ترى قلّة خوفه وشدة قلبه، هكذا والله تكون البصائر. (انظر الشافي ط ٢ - ج ١/ ٥٤٨ - ٥٤٩).